وليد المعلم: شغلوا الشريط
ربما كانت المقابلات الصحافية لوزير الخارجية السوري، وليد المعلم، الأكثر غرابة وحساسية بين مقابلات رجال النظام السوري، فالرجل يتحدث بهدوء، وبساطة، ومن دون ارتباك، حتى إنه يوحي لمن يستمع إليه أن المعلومات التي يقدمها للإخوة المشاهدين نوعٌ من البديهيات، أو الحقائق العلمية التي لا تقبل الجدل! ولعل هذا ما دفع الخبير الاستراتيجي اللبناني، فواز جرجس، إلى الزعم بأن المعلم أذكى السياسيين السوريين قاطبة، وأن مَنْ يريد أن يقرأ مواقف النظام السوري الحقيقية، في لحظة تاريخية ما، فليُصْغِ إلى المعلم جيداً.
في ظهيرة يوم الإثنين، الخامس والعشرين من أغسطس/آب الجاري، عاد المعلم إلى جمهوره ومحبيه، بعد غياب طويل أسبابُهُ صحية، ليدلي بسلسلة أقوال وأفكار تلخص استعداد نظام "عائلة الأسد" للتعاون مع المجتمع الدولي، في مجال الحرب على الإرهاب، بموجب قرار مجلس الأمن 2170، ويوجه دعوة مباشرة وصريحة إلى القوات الأميركية، والدول التي ستتحالف معها، بإمطار الأراضي السورية بوابل من القذائف والصواريخ، من أجل تخليص المنطقة والعالم من خطر داعش "الإرهابية"!، من دون أن ينوّه، كما كانت عادته، إلى أن الاقتراب من الأراضي السورية يُعطي نظامه الحق في الرد في الزمان والمكانين المناسبين! وهذا الرد في الزمان والمكان المناسبين لا يمكن أن يكون في الجنوب اللبناني هذه المرة، لأن حزب الله الممانع لم يعد موجوداً هناك، بل (تفضل) بالقدوم إلى سورية، من أجل أن يحمي سورية والعتبات المقدسة من خطر الإسلاميين الوهابيين التكفيريين، كما تفضل أمينُه العام بالقول في ذات خطاب.
لا شك في أن كلام جرجس، في ما يتعلق بذكاء وليد المعلم، صحيح، لكن الأمر المفروغ منه، منطقياً، أن الدفاع عن قضية خاسرة، أو الاستعداد لتبني أكاذيب المخابرات السورية، والإعلام السوري الذي وصفه الأديب الراحل ممدوح عدوان أنه يكذب في درجات الحرارة، لقمينٌ بتحويل أكثر الرجال نباهة ودهاءً إلى أبطال حقيقيين، في كتاب يُؤَلَّفُ على منوال كتاب العلامة ابن الجوزي "أخبار الحمقى والمغفلين".
في بداية الثورة السلمية، أعد رجالُ الاستخبارات السورية شريطاً تلفزيونياً يتضمن لقطات متفرقة (فوتومونتاج) من المظاهرات السلمية التي كانت تطالب بإسقاط نظام حافظ الأسد ووريثه، في طول البلاد السورية وعرضها، ووضعوا، وفق معالجة كومبيوترية (فوتوشوبية)، دوائرَ حمراء على خصور بعض المتظاهرين، تشير إلى أنهم يحملون السلاح، إضافة إلى وجود مسلحين ملتحين يحملون البواريد. وبعد أن أدلى المعلم بتصريحه الصحافي، اتخذ وضعية المخرج التلفزيوني المخضرم، وقال آمراً:
- شغلوا الشريط!
لم تدم هذه الأكذوبة في ميدان التداول سوى ساعات قليلة، وإذا بشبانٍ من لبنان الشقيق يكشفون للملأ أن الصور التي عرضها المعلم في أثناء تشغيل الشريط هي صورتهم، مكانها جبل محسن، وتاريخها هو سنة 2009. وبعد فترة وجيزة، تلقت أكذوبته صفعة قوية ثانية، من بشار الأسد نفسه، حينما زل لسانُه، فاعترف بأن الثورة السورية بقيت سلمية طوال الأشهر الستة الأولى!
المدهش في تصريحات المعلم الجديدة أنها لم تدم سوى ساعات، حتى ظهرت المتحدثة باسم خارجية أميركا، جين ساكي، لتقول له: لن ننسق معكم، وسنضرب في أراضيكم من دون إذنكم. تبعها الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، ليقول إن النظام السوري هو الشريك الموضوعي للتنظيمات الجهادية، ومن ثم، لا يمكن أن يكون شريكاً في العملية المقبلة ضد إرهاب داعش.
إن المخاوف الحقيقية التي تنتاب نظام الأسد، في الآونة الأخيرة، تنحصر في السيناريو العراقي، المعطوف على السيناريو اليمني الذي يقضي برحيل الواجهة المقدسة للنظام، المتمثلة بقول والدة بشار الأسد (سورية لبيت الأسد من الوالد للولد)، والإبقاء على الطبقات الأدنى، وإجراء مصالحة بينها وبين المعارضة المعتدلة، وضرب المعارضة المتشددة، حتى تشارف على الفناء.
فإيران، وكنتيجة حتمية لتقهقر مشروعها التوسعي في المنطقة، بدأت تقايض الأميركيين، فتتخلى عن عملائها مقابل التخلص من العقوبات والعزلة الدولية، وبشار الأسد لن يكون حاله أفضل من حال نوري المالكي.
على ذكر المالكي. ثمة تصريح شهير له ذو علاقة بالشأن الذي نتحدث عنه، يعود إلى 29 أغسطس/آب 2009، عشية التفجيرات الكبيرة التي هزّت بغداد، إذ قال إنه نتيجة تحالف حزب البعث السوري مع تنظيم القاعدة، وبعد يومين، أتبعه بتوضيح قال فيه: إن نظام الأسد وراء معظم التفجيرات الإرهابية التي جرت في العراق في السنوات الست الماضية.
لن يتمكن نظام الأسد، كما أرى، من إيجاد (موقع برميل) في الحرب المقبلة على داعش، والقرار الأممي المعطوف على الفصل السابع لن يكون فأل خير على هذا الأسد المُرْهَق.