وقاحة إسرائيلية
"إسرائيل لا تريد لأحد أن يملي عليها قواعد إطلاق النار". هكذا أخبرنا رئيس الوزراء الإسرائيلي، يئير لبيد، ضمن سلسلة متوالية من "المواقف الغاضبة" صدرت من مسؤولي الاحتلال "استنكاراً" لقول نائب المتحدث باسم الخارجية الأميركية، فيدانت باتل، إن أميركا ستواصل الضغط على "شركائها" الإسرائيليين، حتى يدرسوا "بعمق السياسة والسلوك بكل ما يتعلق بقواعد الاشتباك ودراسة خطوات إضافية لتجنب إصابة مواطنين، والدفاع عن الصحافيين ومنع المزيد من المآسي".
لبيد، كما وزير الأمن، بني غانتس، لم يحتملا هذا التصريح المرتبط بجريمة اغتيال الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة في مايو/ أيار الماضي، واتفقا على انتقاده، على الرغم من أنه صادر عن الحليف الأقرب، واشنطن، التي كانت الشريكة الأوفى في طمس المسؤولية الواضحة لإسرائيل عن الجريمة، بعدما خلصت في تحقيقاتها إلى أنه لا يمكن تحديد الجهة التي أطلقت الرصاصة على أبو عاقلة.
أسهب لبيد في الحديث عما سماها حماية جنود الاحتلال على قاعدة أنه لا يمكن السماح "بمحاكمة جندي في الجيش الإسرائيلي دافع عن حياته في مواجهة إطلاق نار من إرهابيين حتى نتلقّى التصفيق في الخارج فقط". أما غانتس فلم يتأخر في إغداق الدعم على ممارسات جنوده قائلاً إنه "لم يكن هناك، ولن يكون تدخُّل سياسيّ في هذه المسألة. وسبقهما في بازار المزايدات هذا نفتالي بينت بقوله "نتوقع من أصدقائنا في العالم ألا يعطونا عظات أخلاقية، بل أن يدعمونا في حربنا على الإرهاب". ويبقى أن الجملة الأكثر إثارة للسخرية في كل حفلة الغضب الإسرائيلية هذه قول لبيد إن "الجيش الإسرائيلي لم يطلق النار قط بشكل متعمد على الأبرياء".
لم يكن إعدام أبو عاقلة، رغم أنها كانت ترتدي سترة الصحافة، الجريمة الأولى ولن تكون الأخيرة. ترتكب إسرائيل عملية الاغتيال تلو الأخرى للفلسطينيين بدم بارد، من دون أن يسائلها أحد. ودائماً في جعبتها تبريرات واهية تطلقها، ودعم أميركي شبه مطلق، حتى لو كان الفلسطيني المستهدف يحمل جنسيتها، فليس هناك من فرق كبير، ما دام أن القضية لن تتطلب أكثر من تصريحاتٍ ينتهي مفعولها خلال أيام، ويستحيل أن تتطوّر إلى سحب واشنطن عصاها كما تفعل في أكثر من دولة.
جردة سريعة لأحداث الأسابيع، وليس الأشهر الأخيرة، تظهر قائمة الفلسطينيين الذين أعدمهم الاحتلال بذرائع شتى إلى جانب جرائمه الأخرى المتواصلة. يشنّ الاحتلال حرباً شعواء على المنظمات الحقوقية، ويعمد إلى إغلاقها، يتغوّل في الاستيطان والتهجير القسري وهدم المنازل، يبذل جهوداً لا تنتهي لتصفية قضايا الحل النهائي، بما في ذلك حق العودة للاجئين.
على عكس سنوات مضت، بات اليوم المصطلح الأكثر استخداماً لوصف هذه الممارسات يلخَّص بالأبارتهايد الإسرائيلي، ولا يجرؤ على المجادلة بشأن صحة هذا التوصيف إلا أنصار الاحتلال وداعموه. وعلى الرغم من أن هذا التصنيف يشمل اتهام الاحتلال بارتكاب جريمة ضد الإنسانية، فإنه لم يقترن بعواقب قانونية إلا في حدّها الأدنى في ظل مظلة الحماية الأميركية التي تتوفر لإسرائيل، ما يجعلها تتمادى في جرائمها بحق الفلسطينيين، غير آبهة بالمواقف الخارجية. لكن أكثر ما يخشاه الاحتلال يقينه أن كل هذه الممارسات ستقود إلى انفجار شبه حتمي، تحديداً في الضفة الغربية المحتلة. يكفي التوقف عن الإحصاءات التي ترصد خريطة نقاط الاشتباك بين الفلسطينيين والإسرائيليين التي تتسع يوماً بعد آخر، لتقدير ما ستحمله الفترة المقبلة.