وحوش في الأرحام

20 نوفمبر 2022
+ الخط -

من الآن فصاعدًا، علينا أن نراقب زهايمر الرئيس الأميركي، جو بايدن، بعناية فائقة؛ فمن الواضح أنه بدأ يدخل مرحلة متقدّمة من المرض، سيما لدى لقائه الرئيس الإسرائيلي قبل أسابيع، فقد أدلى بتصريح يبرهن أنه نسي تاريخ "اختراع إسرائيل"، عندما قال: "لو لم تكن إسرائيل موجودة لاخترعناها"، فكيف فاتته حادثة بكلّ هذا الجلل لم يمض عليها قرن بعد، إلا إذا كان يعني أن إسرائيل لم تكن اختراعًا أميركيًّا بالأساس، بل بريطانيًّا، عندها يكون الرجل معذورًا، فقد فاته قصب السبق الذي حظيت به إمبراطوريةٌ لم تُصب بعد بالزهايمر، بدليل أن رئيسة وزرائها المستقيلة أبدت هي الأخرى افتتانًا بإسرائيل حدّ الاستعداد أن تكون صهيونية، على غرار جدّها بلفور الذي قرن القول بالفعل، وابتكر إسرائيل بوعده الشهير.

لا أدري ما سرّ الولع الغربي الجديد بإسرائيل، الذي جاء نقيضًا لحقدهم التاريخي على اليهود، ومعاكسًا كلّ مجازرهم التي ارتكبوها بحقّ أتباع هذه الديانة، فكيف استحال كل هذا الحقد عشقًا منذ "اختراع إسرائيل" مطلع القرن الماضي؟ أهو الزهايمر الذي أنساهم الحقد وحوّلهم إلى طيور حبّ عندما يتعلق الأمر بإسرائيل وديمومتها ودعمها لا بأسباب الحياة والبقاء فقط، بل بعوامل التفوّق والسيطرة، ألا يخشون من انقلاب السحر على الساحر، والمصنوع على الصانع يومًا ما؟

السؤال الأهم: هل صُنعت إسرائيل أم صَنعت نفسها بنفسها؟ أعني هل كانت إسرائيل فكرة هائمة في أجواء التاريخ منذ انهيار دولتها على يد نبوخذ نصّر، ثمّ راحت تبحث عن جسد طوال آلاف السنين حتى وجدت ضالّتها في الجسد الفلسطيني تحديدًا؟ أم أن الفكرة كانت تحتاج إلى وسيط فجاء الوسيط بوعد بلفور؟ كل هذا جائز، غير أن ما يحدث يذكّرني بإحدى حشرات الطبيعة التي تضع بيوضها في أجساد حشرات وحيوانات أخرى، لتتغذّى من دمها ولحمها في أطوار نموّها حتى تستحيل إلى حشراتٍ بالغة، لكنّ الثمن يصل أحيانًا إلى حدّ موت الحشرة الحاضنة.

يتماشى هذا كله والفكرة الصهيونية الهائمة، وإن شئنا الدقة هي "الحشرة" الصهيونية التي نجحت في زرع بيوضها في أدمغة ساسة الغرب منذ بلفور إلى بايدن، لتستحوذ عليها، وتصبح مولعة بها حدّ التبعيّة أحيانًا، حتى إن الزهايمر لم يكن سبب خطأ الرئيس بايدن عندما تحدّث عن 54 ولاية أميركية، فلربما كان متأثرًا بلقائه الرئيس الإسرائيلي، فعدّ إسرائيل ولاية أو أربع ولايات أميركية جديدة، بعد أن فقست البيوض الصهيونية في دماغه.

ما زلنا نتحدّث عن حشرة، لكن إن شئنا الدقّة أزيد، فثمّة سلسلة أفلام رعب أميركية عن وحش يضع بيوضه في أحشاء بشرية أنثوية، ليكون الرحم حاضنًا له إلى حين المخاض، وقبيل الولادة يمزّق الجنين الوحش رحم الأنثى وبطنها بعد اكتمال نموّه، فيخرج بصحبة سيلٍ منهمر من اللحم والدمّ، فتموت الأنثى ويعيش الوحش. ولربما كان هذا الفيلم أقرب إلى الفكرة الصهيونية القادرة على اختراق الأرحام الغربية بعد أن اخترقت العقول، وهذا ما أعنيه بانقلاب المصنوع على الصانع إن فكّر الأخير يومًا بمحاولة تقزيم ابتكاره، أو لجم وحشه المتهوّر.

أما في فلسطين، حيث زرع الوحش الصهيوني بيوضه قبل نحو قرن، وتجسّدت الفكرة التي دفع ثمنها شعبٌ برمّته، وما زال يدفع ثمن ما اقترفه الصانع والمصنوع والوسيط، فقد بات الوحش يتنقّل ببيوضه إلى أدمغة ساسة وحكّام عرب، وفي كلّ يوم تفقس بيضة جديدة في دماغ مطبّع ومتحالف ومتواطئ، فتتسع الفكرة ويتضخّم الوحش، ويزداد الولع بإسرائيل والصهيونية على نحو ربما يفوق مشاعر بايدن وسواه من ساسة الغرب. ومن الواضح أيضًا أن هؤلاء الزعماء العرب مصابون بالزهايمر، لأنهم نسوا ما فعله الصهاينة بالمنطقة، وبفلسطين وأهلها، ويغضّون الطرف عمّا سيحدث لهم قريبًا عندما يكتمل الوحش في أرحامهم.

EA8A09C8-5AE7-4E62-849E-5EBF1732C5FF
باسل طلوزي

كاتب وصحافي فلسطيني. يقول: أكتب في "العربي الجديد" مقالاً ساخراً في زاوية (أبيض وأسود). أحاول فيه تسليط الضوء على العلاقة المأزومة بين السلطة العربية الاستبدادية عموما والشعب، من خلال شخصيتين رئيسيتين، هما (الزعيم) والمواطن البسيط (فرج). وفي كل مقال، ثمة ومضة من تفاصيل هذه العلاقة، ومحاولة الخروج بعبرة.