وجه عُمان الجديد

07 مارس 2022

(حسين عبيد)

+ الخط -

يمكن للمتجوّل الآن في مسقط أن يشعر بأن حياة جديدة بدأت تدبّ في البلاد، وأنها في طريقها إلى فكّ عزلتها التي عُرفت بها، حيث كان يمكنك، في السابق، أن تجد صديقا لا يعرف عن عُمان إلا القليل. وتجد من زار بلدانا مجاورة مرّاتٍ عديدة، ولكنه يتمنّى أن يزور عُمان، لما سمع عن جمال شواطئها وتنوّعها وبساطة أهلها. استُحدث، أخيرا، قانون مهم للسياحة، يسمح بدخول البلد بدون الحاجة إلى ما كان يعرف بـ"الكفيل المحلي"، بل بدأت خريطة الدول التي سيسمح لشعوبها بالدخول بدون تأشيرة، تتسع. وفي طريق فك العزلة، يمكنك أن ترى الآن وجها عصريا بسهولة، وقد غدت الأرصفة مليئة بمحبّي المشي، والطرق الجبلية بمحبّي صعود الجبال أو ما يعرف بـ"الهايكنغ".

المطاعم والمقاهي يمكن أن نراها غاصّة بالشباب والشابات. وفي كل مرة حين نقرأ الصحف نرى بشائر مشروع سياحي جديد، ما يمكنه، مع الوقت، أن يضفي التنوع على الحياة، وبالتالي يغني الباحثين عن التغيير في غير بلادهم والمعتادين على السفر من أجل رؤية جديدة، أن يعيشوا كل ذلك التنوع في بلدهم، حيث كثيرا ما تروج صورة لشريط طويل للسيارات العُمانية المزدحمة عبر المنافذ البرية المؤدية إلى دبي، ما إن تحل إجازة عامة طويلة، وذلك بحثا عن متنفس ترفيهي، مع أن الطقس هو الطقس نفسه، والطبيعة متشابهة إلى حد كبير بين دبي ومسقط، ولكن المختلف مرافق الترفيه العائلي والسلع التي تفد إلى دبي من كل مكان في العالم.

بلوغ مثل هذه القفزات له تحدّياته، خصوصا في ظل الجائحة وتذبذب أسعار النفط، وهي تحدّيات غير هينة، ولكن بين هذا وذاك يمكن ملاحظة بوادر هذا النزوع لمجاراة العصر وتفكيك العزلة. في دورة معرض مسقط للكتاب أخيرا، كانت إحدى فقرات الافتتاح رقصة شعبية، وفي ذلك إحياء مهم للفلوكلور العُماني الثري، والذي ظل مغيّبا عن مسرح الفعاليات الرسمية، وتغييبه بالتالي يعني تغييب جانب جمالي ثري تأسّس عبر أجيال متعاقبة.

وفي سياق الاهتمام بالفلوكلور والتراث المادي العُماني، يمكن الحديث أيضا عن القلاع العُمانية الكثيرة التي من المهم استثمارها سياحيا وترفيهيا. وقد قطعت الدولة خطوة في ذلك عن طريق الدفع بمخصصات مالية للمحافظات خارج مسقط، لتتمتع باستقلالية مادية وإدارية، وهو ما سيساهم في الحد من التكدّس الذي تشهده العاصمة، كما سيساهم في الاهتمام بتلك المحافظات، فلكل محافظة عمانية طابعها الخاص الذي يمكن استثماره اقتصاديا وثقافيا، وهو تنوّع لا يمكن أن تجد له مثيلا إلا في دول قليلة، ولكن ينقصه الكثير للجذب السياحي، على المستويين، المحلي والخارجي. .. وكان للمرأة نصيب من هذا التغيير، حيث يمكن أن ترى مشاركاتها في مختلف الفعاليات الاجتماعية والثقافية والفنية.

الاهتمام بمرافق الترفيه وتنويعها، خصوصا في ما يتعلق بمرافق الطفولة من حدائق ومتنزهات، سيجعل من عُمان مكانا جميلا للإقامة، ليس فقط لسكانه ومواطنيه، إنما كذلك مقصدا لعديدين من محبّي التجوال في العالم. بل، ولمَ لا، كذلك لمن يختار الإقامة الطويلة فيه. كما أن تنويع المرافق كذلك يذهب في هذا السياق، وتجب الإشارة هنا إلى الحلم المتجدّد بوجود مكتبة وطنية عامة، على غرار ما هو موجود في بلدان عربية كثيرة، يسد النقص الذي يعاني منه الباحث والدارس، إلى جانب مركز معني بالدراسات العُمانية، يضم مختلف المصادر المادية وغير المادية للتراث العُماني الثري، الأمر الذي يفيد كذلك الباحثين في مختلف التخصّصات الإنسانية. هذه المرافق، والتي يبدو أن البلاد سائرة في استحداثها، وهو ما تعكسه أخبار الصحف كل يوم، ستوفّر بالتالي مزيدا من فرص العمل، وتقلل من معاناة قطاع كبير من الباحثين عنه.

وجه عصري جديد لعُمان طال انتظاره، وهو مكسبٌ لا يمكن التراجع عنه، ظل مفقودا، خصوصا أن عُمان في أقصى الخريطة العربية، وقد عزلتها الجغرافية، ما دعاها إلى الانفتاح والتفاعل، لكي تكون جزءا من هذا التنويع والتعدّد الذي يسود العالم، ولتربك بالتالي الصورة النمطية عنها بأنها بلد معزول، لا أحد يعرف عنه إلا النزر القليل، بينما هو، في العمق، بلد ثري طبيعي، ومتنوع اجتماعيا، ويكتنف طاقاتٍ شابّة يمكنها أن تبدع وتتميز في بلادها، لو أتيحت لها الفرصة وفتح لها المجال.

ومع هذه التغيرات والإيجابيات، ما زالت هناك في الحياة العامة أمور تستحق المراجعة والتحديث، وهو ما قد نتناوله في تعليقات لاحقة.

593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
محمود الرحبي

كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية

محمود الرحبي