25 اغسطس 2024
هيبة محافظ إدلب
الأمور المضحكة قلما تحصل في الطبقات العليا للنظام الديكتاتوري، أعني القصر الرئاسي، والشُّعَب المخابراتية، والقيادة العليا لضباط النخبة. السببُ أن هذه المؤسسات تُحيط نفسها بطبقاتٍ كتيمة، لا يستطيع أبناءُ الشعب، و(العوام) اختراقها.. ومعلومٌ أن المواقف الفكاهية لا تَحْدُثُ إلا في أثناء الاختلاط والمواجهة، حيث يظهر التباينُ في الطباع والتفكير، ويعلو الضحك. ولعل الأماكن القليلة التي تشهد مواقف طريفة، في بعض الأحيان، هي المداخل الرئيسية لهذه الأماكن، ففي ذات يوم، حضر رجلٌ تبدو عليه علائم الغفلة و"الدروشة" إلى القصر الرئاسي، وطلب من عناصر الاستعلامات مقابلة القائد حافظ الأسد، فضحكوا منه، وقالوا له: يا غبي، حافظ الأسد مات من زمان. فانصرف محوقلاً، وعاد في اليوم التالي، وكرّر طلبه، وكرّروا الجواب. وفي اليوم الثالث، بمجرد ما وصل، اعتقلوه، ووضعوه ضمن الدولاب، وشرعوا يضربونه ويسألونه عن سر هذه الزيارات المشبوهة، فاعترف لهم بأنه يفعل ذلك لأن عبارة (حافظ الأسد مات) تُطْرِبُه!
أما في طبقات الحكم الأدنى، فالحكايات المضحكة كثيرة جداً، منها أن رجلاً يتمتع بذكاء متوسط، وشخصية ضعيفة، عَيَّنَهُ حافظُ الأسد محافظاً على إدلب التي كان يكرهها طوال سنيّ حكمه، ثم أورث كراهيتها لولديه بشار وماهر. وكان ذلك المحافظ يلتقي، في أوقات فراغه، بأشخاصٍ من أهل المدينة يحبّهم ويقرّبهم منه، ويثق بهم، وطوال السهرة يحكي لهم عن الذل والإهانات التي يتعرّض لها في أثناء عمله. وفي إحدى السهرات، أسَرَّ لهم بأنه لولا الخوفُ من أن تجعلهم استقالتُه يرتابون منه، ويغضبون عليه، ويعتبرونه متخاذلاً، ساقطاً على دروب النضال، لاستقال وترك لهم الجَمَل بما حمل.. وقال: تصوّروا، إنني أرفعُ طلباً لتنفيذ مشروع خَدَمي حيوي، فلا يأتيني الرد من رئاسة مجلس الوزراء إلا بعد شهور، ويأتي فيه أن هيئة تخطيط الدولة لم توافق، لأن الخطة الخمسية لا تتضمن مثل هذه المشاريع، فإذا حكيتُ، في اجتماع المحافظين الشهري، عن معاناتي، ونَقْص المشاريع والخدمات في محافظتي، يتذمرُ الوزراءُ والمسؤولون الكبار ويقولون لي: شو؟ يعني ما في عندنا غير محافظة إدلب؟ وفي إحدى المرات، ارتكبتُ خطأ لا يمكن أن يرتكبه محافظٌ عاقل، إذ لعب بعقلي صحفي متمرّن، وجعلني أتحدث بصراحة، فقلت إن ثمة أشخاصاً في القيادة (فوق) لا يريدون الخير لمحافظة إدلب. وفي أول سفرة إلى دمشق، وبينما أنا أسير في أحد أروقة وزارة الإدارة المحلية، إذ شعرتُ بضرورة الدخول إلى الحمام، وما إن دخلت حتى تناولني رجل يشبه البغل من ياقتي، وأسند رجل آخر شبيه بالديناصور البابَ بجسمه لئلا يُفتح، وقال لي: اسمع يا محافظ إدلب، معلمنا اللواء فلان يسلم عليك، ويقول لك إذا لم تسحب الكلام الذي تفوهت به للجريدة التافهة وتعتذر عنه فالأمر سيكلفك كثيراً..
اعتذر المحافظ، بالطبع، عن غلطته، عبر الصحيفة نفسها، للشعب السوري، وللقيادة الحكيمة، وقال إنه بنى الآراء التي نشرها في الصحيفة على معلوماتٍ تبين أنها غير دقيقة! وأوضح أن محافظة إدلب، على عكس ما جاء في التصريح الصحفي، تنعم بالخير العميم، بل إن عطاءات القائد الكبير توشك أن تطمرها. ومن يومها، تسلطت عليه الدوريات الأمنية، وأصبحت مثل مكوك الحايك، دورية رايحة ودورية غادية، وكل واحد من أفرادها يطلب لنفسه مكاسب وأعطيات، وفوقها يوجّهون له عباراتٍ عامرةً بالتوبيخ والاستهزاء.
وضحك السيد المحافظ وقال لأصدقائه: وفوق كل هذه البهدلة والشرشحة، حضر إلى مكتبي البارحة مختار إحدى القرى، وطلب مني أن أزوره في القرية، ليراني الناس في ضيافته، ويصبح هو ذا هيبة وسلطة باعتبار أنه "صديق المحافظ". هههه قال هيبة قال. علي الطلاق بالأمس كان فيه شباب واقفين بالحارة، ومرّيت من قربهم، وواحد منهم همَّ بالوقوف، فقال له زميله: اقعد لا تقف وتتعب حالك، هادا المحافظ.
أما في طبقات الحكم الأدنى، فالحكايات المضحكة كثيرة جداً، منها أن رجلاً يتمتع بذكاء متوسط، وشخصية ضعيفة، عَيَّنَهُ حافظُ الأسد محافظاً على إدلب التي كان يكرهها طوال سنيّ حكمه، ثم أورث كراهيتها لولديه بشار وماهر. وكان ذلك المحافظ يلتقي، في أوقات فراغه، بأشخاصٍ من أهل المدينة يحبّهم ويقرّبهم منه، ويثق بهم، وطوال السهرة يحكي لهم عن الذل والإهانات التي يتعرّض لها في أثناء عمله. وفي إحدى السهرات، أسَرَّ لهم بأنه لولا الخوفُ من أن تجعلهم استقالتُه يرتابون منه، ويغضبون عليه، ويعتبرونه متخاذلاً، ساقطاً على دروب النضال، لاستقال وترك لهم الجَمَل بما حمل.. وقال: تصوّروا، إنني أرفعُ طلباً لتنفيذ مشروع خَدَمي حيوي، فلا يأتيني الرد من رئاسة مجلس الوزراء إلا بعد شهور، ويأتي فيه أن هيئة تخطيط الدولة لم توافق، لأن الخطة الخمسية لا تتضمن مثل هذه المشاريع، فإذا حكيتُ، في اجتماع المحافظين الشهري، عن معاناتي، ونَقْص المشاريع والخدمات في محافظتي، يتذمرُ الوزراءُ والمسؤولون الكبار ويقولون لي: شو؟ يعني ما في عندنا غير محافظة إدلب؟ وفي إحدى المرات، ارتكبتُ خطأ لا يمكن أن يرتكبه محافظٌ عاقل، إذ لعب بعقلي صحفي متمرّن، وجعلني أتحدث بصراحة، فقلت إن ثمة أشخاصاً في القيادة (فوق) لا يريدون الخير لمحافظة إدلب. وفي أول سفرة إلى دمشق، وبينما أنا أسير في أحد أروقة وزارة الإدارة المحلية، إذ شعرتُ بضرورة الدخول إلى الحمام، وما إن دخلت حتى تناولني رجل يشبه البغل من ياقتي، وأسند رجل آخر شبيه بالديناصور البابَ بجسمه لئلا يُفتح، وقال لي: اسمع يا محافظ إدلب، معلمنا اللواء فلان يسلم عليك، ويقول لك إذا لم تسحب الكلام الذي تفوهت به للجريدة التافهة وتعتذر عنه فالأمر سيكلفك كثيراً..
اعتذر المحافظ، بالطبع، عن غلطته، عبر الصحيفة نفسها، للشعب السوري، وللقيادة الحكيمة، وقال إنه بنى الآراء التي نشرها في الصحيفة على معلوماتٍ تبين أنها غير دقيقة! وأوضح أن محافظة إدلب، على عكس ما جاء في التصريح الصحفي، تنعم بالخير العميم، بل إن عطاءات القائد الكبير توشك أن تطمرها. ومن يومها، تسلطت عليه الدوريات الأمنية، وأصبحت مثل مكوك الحايك، دورية رايحة ودورية غادية، وكل واحد من أفرادها يطلب لنفسه مكاسب وأعطيات، وفوقها يوجّهون له عباراتٍ عامرةً بالتوبيخ والاستهزاء.
وضحك السيد المحافظ وقال لأصدقائه: وفوق كل هذه البهدلة والشرشحة، حضر إلى مكتبي البارحة مختار إحدى القرى، وطلب مني أن أزوره في القرية، ليراني الناس في ضيافته، ويصبح هو ذا هيبة وسلطة باعتبار أنه "صديق المحافظ". هههه قال هيبة قال. علي الطلاق بالأمس كان فيه شباب واقفين بالحارة، ومرّيت من قربهم، وواحد منهم همَّ بالوقوف، فقال له زميله: اقعد لا تقف وتتعب حالك، هادا المحافظ.