هندي أو امرأة.. رمزية عالميّة لخلافة جونسون
خلف المشهد القاتم الذي تجري في ظله معركة خلافة بوريس جونسون في بريطانيا هذه الأيام، تتراءى صورة مشرقة للديمقراطية البريطانية المتعبة بفعل شعبوية حقبة جونسون ورفاقه ويمينيتها وفوضويتها وتشدّدها في مسائل الهجرة والاقتصاد والعلاقة مع أوروبا والأمن واللاعدالة الاجتماعية. وعندما يُقال رفاق جونسون، يُقصد بشكل أساسي رجل وامرأة، يصدُف أنهما المتباريان النهائيان على امتلاك مفتاح 10 داوننغ ستريت في 5 سبتمبر/ أيلول المقبل: وزيرة الخارجية المستقيلة ليز تراس، ووزير المالية المستقيل، ريشي سوناك. الصورة المشرقة تُختصر بكون المباراة تجري بين امرأة (46 عاماً) تسعى إلى أن تكون ثالث سيدة رئيسة للحكومة في تاريخ بريطانيا، ورجل (42 عاماً) من أبوين هنديين قد يصبح أول رئيس "غير أبيض" للحكومة في بلدٍ تقول أرقام وزارة الداخلية فيه عام 2011 إن "البيض" يشكّلون 87% من سكانه. وإذا كانت خلافة بوريس جونسون مسألة بريطانية في الدرجة الأولى، كون السياسات التي تتعلق بالخارج لن تتغير بشكل جذري، سواء مع تراس أو سوناك، فإنّ الهوية الجندرية والإثنية لشاغل المركز التنفيذي الأهم ستكون مسألة تهم العالم بأسره، لما لها من أثر على نقاشات الجندر والاندماج وتفاعل/ تصادم الثقافات والأديان.
أن يتولى رجل من أبوين هنديين رئاسة الحكومة هذه قصة كبيرة. صحيحٌ أن لندن توصَف بأنها ثاني أكثر مدينة كوزموبوليتية في العالم بعد نيويورك، إلا أن بريطانيا ليست لندن وحدها، والمملكة، إنكلترا تحديداً، لا تزال بلد التقاليد المتعايشة بشكل مذهل مع ذروة أشكال الحداثة والانفتاح وتحطيم القيم المحافِظة. أن يحكم رجل هندوسي بلداً ملكته هي رسمياً "الحاكمة العليا للكنيسة الإنكليزية" هو بحد ذاته حدثٌ كبير، وسيترك الكثير لكي يُقال عن قضايا الاندماج والعنصرية والمهاجرين والعلاقات بين أتباع الديانات في المجتمعات الحرّة. كُتبت مقارنات كثيرة بين الفوز المحتمل لسوناك وتولي باراك أوباما رئاسة أميركا في 2009، وكُتب أكثر عن عدم جدوى تلك المقارنة. صعد أوباما السلّم الاجتماعي درجة وراء درجة، بينما ريشي سوناك مولود وفي فمه ملعقة من ذهب، هو المتحدّر من أبوين هنديين ثريَّين أتيا من كينيا (والده) وتنزانيا (والدته)، وهو صاحب المقولة: أصدقائي وزملائي كانوا من الأرستقراطيين، أو من الطبقات العليا، لكن ليس من الطبقات العاملة. و"هنود أفريقيا" أمثال سوناك ووزيرة الداخلية بريتي باتل من خريجي أكسفورد وكامبريدج، هم الذين أدّوا دوراً كبيراً (مع فئات أخرى من المهاجرين) في فوز معسكر بريكست على طريقة "دخلنا إلى البلد وأغلقنا الباب وراءنا". يكفي أن يعرف القارئ أن ريشي سوناك هو أثرى سياسي في بريطانيا مع ثروة تقدّرها "صنداي تايمز" بـ730 مليون باوند لكي يفهم شعور "هنود الهند" من محدودي الدخل حياله وأمثاله من "هنود أفريقيا".
أما ليز تراس (46 عاماً) فلا هي تدّعي تمثيل الحركة النسوية، ولا تطمح بأكثر من محاكاة صورة مارغريت تاتشر كسيدة فولاذية قاسية في المخيال الجمعي للمحافظين البريطانيين. السيدة المنتقلة من حزب الليبراليين الديمقراطيين (وسط ليبرالي) إلى المحافظين، ومن معسكر رفض "بريكست" إلى كارهي كلّ ما يتعلق بذكرى أوروبية لبريطانيا، لا تربطها علاقة وطيدة بنضال المساواة الكاملة للنساء مع الرجال، وقد وعدت في حملتها بإلغاء كل التشريعات البريطانية الموروثة من زمن العضوية في الاتحاد الأوروبي (عددها حوالي ثلاثة آلاف قانون)، في مجالات حقوق الإنسان والمعايير البيئية والاقتصاد وغيرها.
إذا فاز سوناك، فلن يكون لذلك علاقة بأوهام عالمثالثية من قبيل أن المستعمَر حقق ثأره من المستعمِر. وإذا فازت ليز تراس، فلن يكون هناك مكان لاحتفالات الحركة النسوية. فوز سوناك أو تراس خبر إيجابي للتخفيف من صدام الحضارات والحروب الدينية، وتطوّر لطيف لزيادة حصّة المرأة من الشأن العام وتقدّمها على سلم المساواة الكاملة. هذه هي الرمزية العالمية لانتصار أي منهما. في اليوم التالي للانتصار، يجب أن تبدأ معركة إسقاطه.