هناك.. في أنطاليا

17 يونيو 2016

مقطع من شلالات دودين في أنطاليا (العربي الجديد)

+ الخط -
تستنفر الأساطير خيال الأفراد والجموع. ومن ذلك أن أسطورةً تحكي أن الملك أتالوس الثاني، أمر، في عام 150 قبل الميلاد، رجاله بالعثور على "جنّةٍ على الأرض"، فقاموا ببحثٍ واسع، حتى اكتشفوا منطقة أنطاليا، في جنوب غربي تركيا، فأعاد الملك بناءها، وأسّس فيها مدينةً جديدةً، واختارها قاعدةً بحريةً لأسطوله. وعندما تعرِف أن هذه المدينة وجهةٌ سياحيةٌ نشطة في تركيا، لطبيعتها الأخّاذة، وهي التي تستلقي على سهلٍ، وتحيطها جبالٌ من ثلاث جهات، وينبطح البحر المتوسط من جهتها الرابعة، فإنك ستتخيّل، غالباً، ما تتوفّر عليه من أسباب الدعة والبهجة، وهي التي توصف بأنها "منتجعٌ دوليٌّ كبير". أما إذا زرتَها، وفي بالك أسطورةُ الملك الذي أرادها "جنّةً"، فإن الخيال سيفقد ضرورتَه، ولا سيما إذا ما تيسّر لك أن تجول عيناك فيها جيّداً، وتزور شواطئها الطويلة برمالها البيضاء، وتتعرّف إلى فخامة فنادقها الباذخة، وتتمشّى في بعض منتجعاتها البالغة الأناقة، والمتنوعة في أسباب الرفاهية فيها. وكذلك إذا ما صرفتَ بعض الوقت في شلالاتها، وإذا ما طُفت في أسواقها ذات العتاقة المعشّقة بلمسات الحاضر وإيقاعاته، وكذلك في متحف الأكواريوم المائي فيها، والذي يحسب الأضخم من نوعه في العالم.

هذا ما سنح لصاحب هذه الكلمات أن يرى بعضه في أنطاليا، في ثلاثة أيامٍ كان جدول الفرجة السياحية فيها كافياً، إلى حدٍّ ما، للتعرّف، ما أمكن، إلى سمْت هذه المدينة، وإلى إيقاعها العام، وهي التي تبدو علاماتُ الحداثة فيها أقوى حضوراً، وأدلَّ على لونها وطابعها، وذلك على ما لها من تاريخٍ، وهي التي قامت فيها ممالك ودول، وقد مرّ عليها الرومان والبيزنطيون والسلاجقة وغيرهم، وزارها ابن بطوطة، وكتب عن منازل الترك ومنازل اليونان فيها. وعندما تكون زائراً مدينة أنطاليا، مدعوّاً لجولةٍ سياحيةٍ فيها، فإنك لن تُشغل بالك في الذي كانت قد أحدثته نوبات التاريخ فيها، بل ستنصرف إلى الاسترخاء والتخفّف من إتعاب الذهن بأي تفكيرٍ بأي عملٍ أو ما شابه. الأنسب أن تمنح نفسك إجازة شخصية، من سماع الأخبار ومن كل تفاصيلك المعتادة، فحضورك إلى أنطاليا، في زيارةٍ بدعوة من الخطوط الجوية التركية، وفي ضيافة شركة الكرنك للسياحة وصاحبها سردار المشهداني، وبين جمعٍ غفيرٍ من أهل الاختصاص في السياحة وفنونها، يعني أن تُسلّم نفسَك لهذه المدينة، للاستمتاع بالألفة فيها، وإنْ يغشاك شعورٌ عابر وطفيف بأنك لستَ من ناس هذا البذخ العامر بكل هناءة البال هذه، ولا سيما أنك في أجواء مرفّهة، ومستضافٌ في فندقٍ باهر، يضجّ بكل ما يسرّ البال، ويسرّي عن الروح، وقد قيل لك إن واحداً من أشهر الملوك في العالم حلّ ضيفاً فيه قبل شهور.

الماء الكثير والغابات الواسعة والمعمار البسيط الذي يشيع الألفة والوداعة، وكذا النظافة الآسرة، والطعام الذي يربكك تنوّعه وتنويعاته، والفاكهة والزيتون، كل هذه وغيرها تجعلك منجذباً إلى ما أنت فيه وعليه. كيف لا، وأنت ترى متنزهاتٍ تلو متنزهاتٍ في غير حيٍّ وضاحية، تعبر فيها بالحافلة، مع الجمع الطيب من الزملاء الذين استضيفوا من غير بلدٍ عربي. تترك عينيك لتريا ما ترياه. تتفرّج على أسوارٍ للمدينة، تعرف تالياً أن بعضها تم تشييده قبل قرون. يُلفتك الحرص على اللغة التركية وحدها في إشارات تسميات الأماكن والمواقع والمطاعم، لا ضرورة للإنجليزية، إلا نادراً، في مدينٍة سياحية، يقول لك مضيفوك إنها وجهةٌ مهمة للألمان، ويخبرونك أنها كانت الأكثر جاذبيةً للسياح الروس الذين ما عادوا في الشهور الأخيرة يتقاطرون عليها بأعدادهم التي كانت، ما أحدث ضربةً غير خافية للمدينة، وما يستدعي تشجيع غيرهم، وخصوصاً العرب، على القدوم إليها سيّاحاً وزواراً، وهذا نداءٌ ومطلب ملحّ. قالوا لنا هناك أن نكتب عن هذا الأمر، وعن أنطاليا البديعة التي تنتظر مزيداً من السياح العرب، وها أنا قد فعلت.

 

    

  

 

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.