هل يوقف الخلاف بين بايدن ونتنياهو الحرب؟
أقرّ الرئيس الأميركي بأنه يخشى من أن تتضرّر بلاده أخلاقيا بسبب تأييدها إسرائيل في حربها المجنونة. وهو ما حصل بالفعل، فالغضب المتزايد في صفوف الطلاب والشباب والجامعيين والمثقفين والسينمائيين والفنانين جعل المشهد أشبه بما حدث في عهد الرئيس كينيدي خلال الحرب على فيتنام، فالنطق بكلمة فلسطين تهمة قد تؤدي بقائلها إلى الطرد من عمله، وتجريده من جميع الامتيازات. عاد الخوف في أميركا، وتصاعدت حدّة العداء ضد الولايات المتحدة التي وجدت نفسها البلد الوحيد الذي يقف ضد قرارٍ يقضي بهدنة إنسانية.
ذهب بايدن الى أبعد من ذلك، عندما كشف عن خلافاتٍ جذريةٍ مع قائد السفينة الإسرائيلية. لا يتعلق الخلاف فقط بوقف الحرب في غياب النتائج المتفق عليها، ولكن أيضا في الرؤية الاستراتيجية. يرفض نتنياهو الحديث عن الدولة الفلسطينية، حتى لو كانت شكلية ومنزوعة السلاح. هو يعتقد أن هذا الموضوع تجاوزه الزمن، فالأرض الفلسطينية أصبحت جزءا من دولة إسرائيل التي لن تتخلى عنها أبدا، فأحد وزراء حكومة الحرب ردّ على بايدن بقوله "لن نوافق على دولة رعب فلسطينية، لا في الضفة الغربية ولا في غزّة، لن نوافق على التنازل عن المسؤولية الأمنية هناك، ولن نوافق على المساس بالاستيطان في الضفة الغربية".
أما عن كيفية التخلّص من الفلسطينيين فهي مسألة تناقش مع بقية الدول الغربية الحليفة، إلى جانب مصر والأردن ودول الخليج. وحشر 80% من سكّان غزة في جنوب القطاع مقدّمة للدفع بهم نحو سيناء خطوة نحو تنفيذ المخطط الجهنمي. ومن يرفض ذلك سيواجه سياسيا، وإن لزم الأمر فعسكريا، مثلما تم قصف المستشفى الميداني الأردني، وأصيب طاقمه الطبي رغم أنه يتشكّل من عسكريين.
لا يتحمّل الإسرائيليون أزمة من هذا الحجم مع أميركا، أهم حليف لهم في العالم الذي ساندهم إلى آخر قطرة دم نزفت من الشعب الفلسطيني. سيحاول بايدن التمييز بين حكومة نتنياهو المتطرّفة واليهود عندما وصف نفسه بكونه "صهيونيا"، وأكد على أن مصير اليهود مقلق. واعتبر أن مصلحة الإسرائيليين تقتضي إبعاد نتنياهو من رئاسة الحكومة. وترى إدارته أن مواصلة الحرب بأجندة زمنية مفتوحة من دون تحقيق تقدّم ملموس في إضعاف حركة حماس، إلى جانب مجاراة الحكومة اليمينية المتطرّفة الساعية نحو إلغاء الوجود الفلسطيني، هو بمثابة الانتحار السياسي، والدفع برئيس الولايات المتحدة نحو الخروج من الباب الخلفي في الانتخابات المقبلة.
كشفت الدولة العبرية عن وجهها القبيح، فرئيس الشاباك (المخابرات الإسرائيلية الداخلية)، رونين بار، خاطب أمين عام الأمم المتحدة، أنطونيو غويتريس، ومؤيديه قائلا "الذين يطمحون ليروا عالما أكثر أمانا يجب أن يمتنعوا عن التدخل في شؤوننا أو إيقافنا". يريدون الاستمرار في القتل والتدمير والكذب على الجميع، من دون توقف، بحجّة الاقتراب من الهدف. فرغم خسائرهم الفادحة في ساحات القتال، إلا أنهم يحاولون إقناع أنفسهم بجعل هذه الحرب فرصتهم التاريخية لاستكمال السيطرة التامة على فلسطين. وقد سبق أن أفصح نتنياهو عن خطته لتحقيق ذلك، في فيديو مسرّب تحدّث فيه خلال جلسة غير رسمية عن ضرورة "توجيه ضرباتٍ عنيفة للفلسطينيين بطريقة جدّ موجعة، ولا تطاق، وأن يؤدّي هذا الهجوم على نطاق واسع ضد السلطة، ما يجعلهم يخافون ويعتقدون بأن كل شيء على وشك الانهيار". هو وحلفاؤه يعتقدون بأن الهلع الشديد سيدفع بالفلسطينيين إلى مغادرة بلدهم مثلما حصل في نكبة 1948. لهذا السبب، تمتع الجيش بصلاحيات واسعة في هذه الحرب، وهو ما أقرّ به جنرال الاحتياط، رئيس مقر قيادة الجنوب سابقا، هزئيل كنافو، عندما قال في حوار تلفزيوني ساخن إن العسكريين "يفجرون كل البيوت، لم يوسّعوا الهدف في حربٍ سابقة كما وسّعوه الآن، ولم يعطوا تصاريح بإطلاق النار كما أعطوا الآن".
هل ستتمكّن الإدارة الأميركية من كبح جماح هذا التيار الدموي؟ ستجيب الأيام المقبلة عن ذلك. إن عجزت واشنطن عن إنجاز ذلك، فقد تحقّقه المقاومة بصمودها ومضاعفة الخسائر في صفوف العدو. الكلمة تبقى للميدان.