هل يمكن الوصول إلى عالم من دون أيتام؟
من النتائج غير المعروفة عن جائحة كورونا، الازدياد الخطير في عدد الأطفال الأيتام. فحسب دراسة أجرتها مجلة "The Lancet" فإنّ ما يقارب مليون طفل في العالم أصبحوا أيتاماً بسبب الوباء (وفاة أحد الأبوين أو كليهما) بين يوليو/ تموز 2020 ومارس/ آذار 2021. وفي عالمنا العربي توزع عدد الأيتام: العراق 38.100 طفل، مصر 24.900، الأردن 7.900، سورية 1.900، الكويت 580، جنوب السودان 260، الإمارات 90 طفلاً.
ووجود أيتام بأعداد كبيرة ليس مرضاً لا علاج له، بل مشكلة اجتماعية، وهناك حلول كثيرة يمكن العمل عليها للتقليل من الآثار السلبية، وصولاً إلى ما تطالب به المؤسسة الدولية "nomoreorphans" اليوم الذي لا يوجد فيه أيّ يتيم في العالم. ففي وقت يواجه العالم ازدياداً في عدد الأيتام، هناك أزواج كثيرون لا يستطيعون الإنجاب، ويتوقون لاحتضان طفل، ولديهم المقدرة والرغبة لتربيته أو تربيتها. وفي الوقت نفسه، يوجد ملايين الأطفال فاقدي السند، يتوقون إلى عائلة تحتضنهم، وتوفر لهم الدفء البيتي والاستقرار الحياتي، بعيداً عن دور الأيتام وصعوبات الحياة هناك.
منذ مطلع الستينيات، بلغ عدد العائلات المحتضنة في الأردن ما يقارب 1500 أسرة، ويوجد الآن نحو مائتي أسرة على قائمة الانتظار
لكن، على الرغم من وجود فرصة لمعالجة طرفي المشكلة، فإنّ القوانين والتشريعات والثقافة المتوارثة، إضافة إلى الجهل المجتمعي، أبقت هذه المآسي الإنسانية من دون علاج. وتسمح المواقف الفقهية الإسلامية، والتي تمت شرعنتها في التعليمات الرسمية لدى الجهات ذات الشأن، بالحضانة، أي أنّ العائلة الراغبة تستطيع احتضان أطفال، لكن من دون نقل الاسم إليهم، وبشرط أن يكون الأطفال والأزواج من الديانة نفسها، وهو أمر صعب أحياناً، بسبب عدم القدرة على تحديد ديانة الأطفال اللقطاء. وقد عملت دول على معالجة الموضوع بصورة إنسانية، فمثلاً، تحث اتفاقية لاهاي (وقعت دول عربية عليها منها الأردن) على تسهيل عمليات مساعدة الأطفال، ومنها موضوع الحضانة والتبنّي. واتخذ الأردن، في السنوات الأخيرة، خطوات إيجابية في موضوع الرعاية والحضانة، بحيث يستطيع الأزواج رعاية طفل بدون نقل الاسم إليه/ إليها. ومنذ مطلع الستينيات، بلغ عدد العائلات المحتضنة في الأردن ما يقارب 1500 أسرة، ويوجد الآن نحو مائتي أسرة على قائمة الانتظار، لاحتضان أطفال فاقدي الرعاية الأسرية.
وقد أوضحت الصحافية الأردنية دانيا قطيشات، في تقرير مميز لها في موقع "المغطس" والذي كسر الجليد في الاهتمام بموضوع كان يعتبر محظوراً مدة طويلة، إذ أجرت لقاءً مع الناشطة نسرين حواتمة، التي أنشأت مع آخرين مؤسسة "سندك" لزيادة الوعي والعمل على تعديل التشريعات لتحسين وضع الأيتام. صرحت حواتمة لـ"المغطس" أنّ العائلات المحتضنة قد تواجه صعوبات قانونية في إجراءات عملية الاحتضان، لكنّها تُعتبر صعوبات روتينية. أما عن الصعوبات الاجتماعية، فقالت إنّ المجتمع المسيحي بشكل خاص، والأردني عموماً، قد بدأ بتقبّل موضوع الاحتضان، وهناك حالة من الوعي العام قد بدأت بالظهور تدريجياً. والمشكلة هي في عدم تسهيل هذه الأمور، ما قد يشجع أشخاصاً على استغلال رغبة الأزواج في أطفال، بترتيبهم أموراً تسمح بذلك مقابل مبالغ كبيرة، وهي لبّ مشكلة الاتجار في البشر. وقد أنتج المسرح الحرّ الأردني، بالتعاون مع شبكة الإعلام المجتمعي، فيلماً قصيراً "طعم الطين"، يساعد في زيادة الوعي، من إخراج علاء ربابعة وبطولة عبير عيسى، وبمباركة وزارة التنمية، لتشجيع عمليات احتضان الأيتام.
الكتاب المقدّس بعهديه القديم والجديد مليء بالعبارات التي تشمل التبنّي من خلال ضرورة الاهتمام بالأيتام
لكنّ الموضوع لا يحلّ مشكلة الأزواج المسيحيين، والذين لا موانع دينية لهم بالتبنّي في الأردن. على الرغم من صغر عددهم، فإنّ عدداً كبيراً من الأزواج المقتدرين، ممن يتوقون إلى تبني أطفال، أو على الأقل احتضان أطفال، غير قادرين على إيجاد حلّ بسبب ندرة توفر أطفال مسيحيين في الأردن. والحلّ، كما تقترح حواتمة، قد يكون في السماح للأزواج الأردنيين برعاية أطفال مسيحيين من دون سند، من دول مجاورة، مثل العراق وسورية ومصر وفلسطين... ويقول مستشار قاضي القضاة، أشرف العمري، للناشطة نسرين حواتمة، في التقرير نفسه، إنّ الموضوع يمكن حله قانونياً بإضافة كلمة "باستثناء المسيحيين" بشرط أن تكون هناك مراجع دينية في الكتاب المقدس وأنظمة مناسبة لذلك في المحاكم الكنسية.
الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد مليء بالعبارات التي تشمل التبنّي من خلال ضرورة الاهتمام بالأيتام، فمثلاً رسالة يعقوب 1:27: "الدِّيَانَةُ الطَّاهِرَةُ النَّقِيَّةُ عِنْدَ اللهِ الآبِ هِيَ هذِهِ: افْتِقَادُ الْيَتَامَى وَالأَرَامِلِ فِي ضِيقَتِهِمْ، وَحِفْظُ الإِنْسَانِ نَفْسَهُ بِلاَ دَنَسٍ مِنَ الْعَالَمِ". وإنجيل متى يدعو للتبني بالقول: "وَمَنْ قَبِلَ وَلَدًا وَاحدًا مِثْلَ هذَا بِاسْمِي فَقَدْ قَبِلَنِي" (متى 18: 5). وحتى في سرد قصة النبي موسى يقول الكتاب المقدس في أعمال الرسل 7 :21: "اتخذته ابنة فرعون وربته لنفسها ابناً".
إذاً، هناك ما يكفي من آيات واضحة في دعم الاهتمام بالأيتام والتبنّي. كما توفر المحاكم الكنسية الأنظمة الضرورية لتسجيل أسماء الأطفال الذين يتم تبنيهم وتوثيقها، كي يصبحوا جزءاً من العائلة، وبذلك يمكن توفير الفرصة لأيتام يمكن الاهتمام بهم وعائلات من دون أطفال يحظون بفرصة احتضان وتربية أطفال... على القيادات الروحية والاجتماعية الإسلامية والمسيحية العمل الدؤوب على زيادة الوعي، وحل هذا الإشكال للعمل على تسهيل عمليات التنقل للرعاية والتبنّي وشرعنتها، ضمن أسس وضوابط واضحة، تمشياً مع أفضل المعايير الدولية والإنسانية.