هل يغدو ساندرز مرشح الديمقراطيين في انتخابات الرئاسة الأميركية؟
مثّل اكتساح السيناتور بيرني ساندرز، وهو عضو مستقل في مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية فيرمونت، في التصفيات التمهيدية التي جرت في ولاية نيوهامبشير في 9 فبراير/ شباط الجاري، للفوز بترشيح الحزب الجمهوري، مفاجأةً لكثيرين. فمن هو السيناتور ساندرز؟ وما هو برنامجه الانتخابي، وما هي مواقفه من قضايا الشرق الأوسط؟ وكيف تمكّن من تحدّي مرشحٍ كان يعدّ حتميًا بالنسبة إلى الحزب الديمقراطي، وهو الوزيرة السابقة هيلاري كلينتون؟ وما هي فرص فوزه بترشيح حزبه للمنافسة على كرسيّ الرئاسة في انتخابات نوفمبر/ تشرين ثاني المقبل؟
يُعدّ السيناتور بيرني ساندرز السياسي صاحب الخدمة الأطول، بوصفه عضوًا مستقلًا في الكونغرس، والمرشّح المفاجئ وغير المتوقع للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة في عام 2016. فقد انتُخب لعضوية مجلس النواب الأميركي في 1990. وفاز في 2006 في انتخابات مجلس الشيوخ. وأُعيد انتخابه في 2012. عمل ساندرز خلال عضويته في مجلس الشيوخ في عدة لجان؛ مثل لجنة الميزانية (الثانية من حيث الأهمية بين الديمقراطيين)، ولجنة البيئة والأشغال العامة، ولجنة الطاقة والموارد الطبيعية، ولجنة الصحة، ولجنة التعليم، ولجنة العمل والمعاشات التعاقدية، ولجنة شؤون المحاربين القدامى.
يبلغ ساندرز 75 عاماً. وُلد في نيويورك. ووالداه مهاجران يهوديَان من بولندا. درس في كلية بروكلين، ثم في جامعة شيكاغو. وبوصفه عضواً في أسرة عاملة مهاجرة مكافحة، أصبح مطّلعاً في مجال التفاوت الاقتصادي، مصدر الإلهام الأساسي لسياساته. ويعدّ الزعيم العمالي الاشتراكي، يوجين فيكتور دبس، ذا تأثير مهمّ في سياساته. بعد إنهاء دراسته الجامعية في عام 1964، عاش ساندرز في كيبوتس شاعر هعماقيم، شمال إسرائيل. يعدّ ساندرز نفسه يهودياً علمانياً، على الرغم من تنشئته اليهودية، ودراسته في مدرسة عبرية. ويقلّل ساندرز من أهمية القضايا الدينية، ويقول إنّه فخور بكونه يهودياً، ولكنّه ليس متديناً. انتخب ساندرز في عام 1981 عمدةً لمدينة برلنغتون في فيرمونت، بفارقٍ ضئيل يعادل 12 صوتاً. وأعيد انتخابه ثلاث مرات متتالية، قبل ترشّحه لعضوية مجلس النواب الأميركي في عام 1990.
بوصفه مستقلاً، واجه ساندرز معضلة في إيجاد حلفاء سياسيين للدفاع عن قضاياه وتشريعاته. لم يستطع الانضمام إلى مؤتمرات الجمهوريين، فقرّر المشاركة في مؤتمرات الديمقراطيين، على الرغم من معارضة ديمقراطيين محافظين. يجد ساندرز نفسه غالباً خارج كلا الحزبين. ويعتقد أنّهما اتّخذا مواقفَ خاطئة؛ فلقد عارض، على سبيل المثال، الحرب على العراق، منتقدًا توقيت العمل العسكري، بينما كانت الولايات المتحدة تواجه دَينًا وطنياً، بقيمة 6 تريليونات دولار، وعجزاً متناميًا في الموازنة.
دخل ساندرز مجلس الشيوخ في عام 2006. واكتسب شهرةً في عام 2010، عندما شارك في تأجيل التصويت ثماني ساعات ضدّ تمديد العمل بتخفيضات بوش الضريبية للأثرياء؛ إذ رأى أنّ هذا التشريع كان اتفاقَ ضرائب فاسدًا بين الرئيس والمشرّعين الجمهوريين، كما كتب لاحقاً، في مقدمة خطاب عن تأخير التصويت التاريخي المتعلق بجشع الشركات وانحدار طبقتنا الوسطى. وأنهى ساندرز خطابه، بتوجيه نداء لزملائه المشرّعين من أجل التوصل إلى مشروع مقترحٍ، يعكس بصورةٍ أفضل احتياجات الطبقة الوسطى والأسر العاملة، والأهمّ من ذلك أطفال الولايات المتحدة.
في 30 أبريل/ نيسان 2015، أعلن ساندرز أنّه بصدد ترشيح نفسه للفوز بتسميته مرشحاً رئاسياً عن الحزب الديمقراطي. فإثر إدراكه أنّه من الصعب عليه خوض الانتخابات مستقلاً، اتّخذ قراراً بخوضها بوصفه ديمقراطياً، إذ سيكون من الأيسر عليه متابعة التصويت. وخلق قراره تحدّياً خطيراً للمرشحة الديمقراطية الأوفر حظاً، هيلاري كلينتون، على الرغم من أنّه لم يكن يعدّ مصدر خطر كبير في إبريل/ نيسان الماضي.
وتغيّر ذلك في 1 فبراير/ شباط 2016؛ إذ كان عدد الأصوات متقارباً لكلٍ من ساندرز وكلينتون، في انتخابات ولاية آيوا (نال كلاهما نحو 50 في المئة من الأصوات)، بفارق مندوب لفائدة كلينتون. لكنّ ساندرز فاز عليها في الانتخابات التمهيدية في نيوهامبشير في 9 فبراير/ شباط 2016 بهامش كبير (22 نقطة)، ولا يرجّح الخبراء أن يتمكّن من اختطاف ترشيح الحزب الديمقراطي من كلينتون. ومع ذلك، لا ينبغي الاستهانة بساندرز، وهذا ما قاله هو عن نفسه. فقد جمع كميات كبيرة من الأموال من تبرعاتٍ صغيرة، وتُلاقي رسالته صدىً إيجابياً لدى الناخبين من فئة الشباب، والناخبين الذين يعتقدون أنّهم محرومون اقتصاديًا.
برنامجه السياسي الانتخابي
يصف ساندرز نفسه بأنّه "ديمقراطي اشتراكي"، وأنّه ما زال وفياً لقناعاته الأيديولوجية، فيركّز برنامجه الانتخابي على قضايا المساواة في الولايات المتحدة. ويؤيد، على الصعيد الاقتصادي، إصلاحاً ضريبياً يزيد الضرائب على الأثرياء، ويدعم زيادة الرقابة الحكومية على "وول ستريت"، وإيجاد توازن في الأجور بين الرجال والنساء. وهو يؤمن، أيضاً" بنظام رعايةٍ صحية تديره الدولة، وبتأمين تعليمٍ عالٍ بتكلفة مقبولة، وبزيادة تغطية أنظمة الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية لكبار السن والفقراء. ولكونه اشتراكياً ليبرالياً، يؤيّد ساندرز أيضاً زواج المثليين والحق في الإجهاض.
1. قضايا التجارة وإصلاح "وول ستريت"
يقول ساندرز إنّه، إذا انتُخب سيلتزم في أوّل 100 يوم من ولايته الرئاسية، توجيه أمرٍ لوزير الخزانة لتدوين قائمةٍ بالبنوك التجارية وبنوك الظل وشركات التأمين "الكبيرة جدًا على الفشل" التي يمثّل انهيارها (إذا لم ينقذها دافعو الضرائب) "خطراً كارثيًا على اقتصاد الولايات المتحدة". وستفكّك إدارته في غضون 365 يوماً، المؤسسات الموجودة في تلك القائمة. وهو فوق ذلك يعارض اتفاقية التجارة الحرة للشراكة عبر المحيط الهادئ، فهي، من وجهة نظره، تضرّ بالمستهلكين وتخفض فرص العمل.
2. دور الحكومة وقضايا الحريات المدنية
ينتقد ساندرز بشدة سياسات المراقبة الحكومية في الولايات المتحدة. وقد صوّت ضد قانون الوطنية (Patriot Act). وإذا فاز، يُرجَّح أن يسعى لإبطال هذا القانون أو إضعافه إلى حدٍ كبير. وهو يرى أنّ وكالة الأمن القومي خارج السيطرة، وتعمل بصورة غير دستورية. وبوصفه اشتراكياً، يدعم ساندرز توسيع دور الحكومة، وليس إضعافها الشديد كما يطالب خصومه الجمهوريون.
3. الهجرة
يناصر ساندرز إصلاحاً شاملاً للهجرة. ويؤيّد إيجاد سبيل للحصول على الجنسية للمهاجرين غير الشرعيين الذين يعيشون في الولايات المتحدة. ويعارض برنامج العامل الضيف. ويبدي شكوكاً في برنامج تأشيرات المهاجرين للمهن المتخصصة المعروف بـ H-1B. ويعارض سياسة هجرة قائمة على الحدود المفتوحة، واصفاً إياها بأنّها اقتراح الجناح اليميني الذي يقول إنّه، من حيث الجوهر، لا توجد ولايات متحدة أميركية، وسنجلب عمالة رخيصة. ويكمن الحل بالنسبة إلى ساندرز في إيجاد فرص عمل في الولايات المتحدة مع زيادة الأجور.
4. السلاح الفردي
يدعم ساندرز حظر أنواعٍ معيّنة من الأسلحة النصف الأوتوماتيكية، ويدافع عن إجراء تدقيق فوري في المعلومات عن مالكي الأسلحة. وقد صوّت في مجلس النواب ضد قانون "برادي" لمكافحة حمل الأسلحة الذي يتطلب تدقيقاً على المستوى الاتحادي لشراء الأسلحة النارية في الولايات المتحدة الأميركية. كما صوّت في مجلس الشيوخ لمصلحة قانون عام 2005 لحماية التجارة الشرعية في السلاح. وتعود معارضة ساندرز إلى قضية حقوق الولايات التي شرعت وطنياً فترات انتظار. وهو يرفض أيضاً أن يتحمّل مصنّعو الأسلحة مسؤولية استخدام شخصٍ ما السلاح لاقتراف جريمة. وادّعى ساندرز أنّه يريد نقاشاً جادًا وحقيقياً وتنظيماً للأسلحة، لا مواقف متطرفة من كلا الطرفين، وأنّ السيطرة على السلاح مسألة خطيرة ومحدثة للانقسامات في الولايات المتحدة. ولا يوافق ناشطون من مؤيدي السيطرة على السلاح، على موقف ساندرز.
5. مواقف ساندرز من قضايا الشرق الأوسط
يتخذ ساندرز مواقفَ متميزة عن مرشحي حزبه في قضايا السياسة الخارجية عموماً وقضايا الشرق الأوسط خصوصًا.
أ. الصراع الإسرائيلي الفلسطيني
يعدّ ساندرز الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين إحدى القضايا الأكثر أهمية في الشرق الأوسط. ويعترف بأنّه لا وجود لحلٍ سحري للمسألة. لكنّه يدافع عن حلّ الدولتين؛ فمن حق إسرائيل العيش بأمان، وفي الوقت نفسه، حصول الفلسطينيين على دولةٍ خاصة بهم. ويعتقد أيضاً أنّ العديد من الصراعات الأخرى في الشرق الأوسط يفاقم الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وهو لا يناصر إسرائيل على حساب الفلسطينيين، على الرغم من يهوديته؛ إذ لا يسمح للدين بتوجيه مواقفه. ولا يحظى نتنياهو بتأييدٍ كبير من ساندرز الذي كان أحد أعضاء مجلس الشيوخ الثمانية الذين قاطعوا خطابه في مارس/ آذار 2015 في اجتماعٍ مشترك للكونغرس. وهو يعتقد أنّ الدبلوماسية هي ما يحمي إسرائيل من إيران، وليست الأعمال العسكرية، ولا الاقتصادية.
ب. سورية
عارض ساندرز قرار الرئيس باراك أوباما نشر قوات للعمليات الخاصة في سورية للمساعدة في قتال تنظيم الدولة الإسلامية. كما عارض الحرب العراقية من بدايتها، ولا يريد أن تنجرّ الولايات المتحدة إلى "مستنقعٍ" مفتوح الآفاق. ولم يتردّد في استثمار تصويت كلينتون لمصلحة خوض الحرب مع العراق، ضدّها. ويؤيد ساندرز تأييدًا كاملًا سياسة الرئيس أوباما بالضربات الجوية في سورية، لكنّه يعتقد أنّ الحرب ينبغي أن تكون ملاذاً أخيراً، وأنّه يجب إعطاء الدبلوماسية كلّ الفرص الممكنة. وقد كرّر معارضته فرض الولايات المتحدة منطقة حظر جوي من جانب واحد في سورية، لكنّه، في الوقت نفسه، يدعم من يسعى في سورية إلى إطاحة بشار الأسد.
ج. اللاجئون السوريون
عارض ساندرز دعوات إغلاق الحدود أمام اللاجئين السوريين. وتعهّد بأن لا تدير الولايات المتحدة ظهرها للّاجئين الذين يفرّون من سورية أو العراق أو أفغانستان. وسيعمل ساندرز، إذا أصبح رئيساً، على معارضة أيّ تشريع يسعى إلى فرض حظرٍ على دخول اللاجئين السوريين (والعراقيين) إلى الولايات المتحدة الأميركية.
د. تنظيم الدولة الإسلامية
يرى ساندرز أنّه ينبغي إعطاء الأولوية في سورية للقضاء على تنظيم الدولة، وإزاحة الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة، من خلال التعاون مع روسيا والمملكة العربية السعودية وإيران. وهو يؤيّد جهود الرئيس أوباما في القتال ضد تنظيم الدولة، لكنّه لا يريد أن تضطلع الولايات المتحدة بدورٍ قيادي في الحملة. واعترف في عام 2015 بدور المملكة العربية السعودية وتركيا في القتال ضد تنظيم الدولة. ونبّه إلى ضرورة أن تشارك دولٌ أخرى في القتال.
ه. العراق
صوّت ساندرز ضد القرار الصادر في عام 2002 الذي فوّض بغزو العراق. وفي حين أيّد في البداية التدخّل العسكري الأميركي في أفغانستان، بعد الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر/ أيلول 2001، فإنّه عارض، أخيراً، الالتزام غير محدود الزمن للقوات المسلحة الأميركية هناك.
و. إيران
ينظر ساندرز إلى إيران بوصفها لاعباً رئيساً في الشرق الأوسط، ويعتقد أنّ العلاقات الدبلوماسية بين إيران والغرب حيوية لاستقرار المنطقة وللمصالح الأمنية على المدى الطويل للولايات المتحدة الأميركية. وهو يدعم الاتفاق النووي مع إيران. وأشاد علناً بالرئيس أوباما وبوزير الخارجية كيري، وبمجموعة 5+1 (P5+1) لتحقيقهم الاتفاق.
فرص ساندرز في اختطاف بطاقة الترشح
على الرغم من صعوده القويّ أمام هيلاري كلينتون، فمهمة ساندرز في الحصول على بطاقة الترشح في مؤتمر الحزب الديمقراطي الذي يُعقد في الخامس والعشرين من يوليو/ تموز المقبل، في مدينة فيلادلفيا في ولاية بنسلفانيا، لن تكون أمراً سهلاً. ويُعقد المؤتمر بحضور نحو 4700 مندوب لاختيار مرشحه لخوض سباق الرئاسة إلى البيت الأبيض، منهم 4000 مندوب، يصلون عبر الانتخاب من الولايات الخمسين، أمّا الـ 700 الآخرون فيطلق عليهم اسم الناخبون الكبار الذين لا تحتاج عضويتهم إلى انتخابات، ويمثّلون مؤسسة الحزب، ويشملون قياداته وممثّليه في مجلسَي الشيوخ والنواب. ويؤيد معظم هؤلاء كلينتون؛ إذ أعلن 39 عضواً ديمقراطياً في مجلس الشيوخ الأميركي، تزكيتهم كلينتون، بينما أعلن عضوٌ واحد فقط في المجلس تأييده ساندرز، وهو ساندرز نفسه. لهذا، على ساندرز أن يفوز فوزاً شعبياً كاسحًا للحصول على أكثر من نصف عدد المندوبين، ليتمكّن من إزاحة كلينتون، والفوز ببطاقة الحزب لدخول سباق الرئاسة. وهو تحدٍّ لن يكون سهلاً.