هل يعود الإرهاب إلى عدن؟
بصورة عجيبة، نجا، الخميس الماضي (4 مارس/ آذار)، قياديان في قوات الدعم والإسناد، التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي في عدن، من محاولة اغتيال مُحكمة نُفّذت عبر عبوات ناسفة، وضعت على جانب الطريق التي كان يمر فيها قائد القوات، العميد محسن الوالي، ورئيس أركان "الدعم والإسناد" العميد نبيل المشوشي، وأسفر الانفجار الذي تم عن بعد عن سقوط قتيلين من الحراسات الخاصة بهما، وإصابة ثمانية آخرين بجروح.
وتعيدنا هذه العملية التي نفذت في وضح النهار إلى نحو أربعة أعوام، حينما كانت عدن ترزح تحت تفجيرات إرهابية وعمليات اغتيال استهدفت قياداتٍ أمنية وعسكرية، بصورة كادت تكون شبه يومية، بينما كانت القوات الأمنية الجنوبية التي درّبتها قوات التحالف ما تزال تواجه تحدّيات في مواجهة الجماعات الإرهابية المتمرسة، بعكس اليوم حيث أصبحت هذه القوات في وضع أفضل وإمكانات جيدة.
لقد واجهت القوات الأمنية في عدن الجماعات المتطرّفة، في نهاية العام 2016 وبداية العام 2017، بدعم من قوات التحالف العربي، ودارت بينها معارك شرسة، سيما في المنصورة، إحدى مديريات عدن، حيث كانت تتحصّن هذه الجماعات، وأسفرت المواجهات التي استمرت أياما عن انتصار القوات الأمنية التي تمكّنت من اعتقال عناصر كثيرة من هذه الجماعات، وقتل أعداد أخرى.
تكتسب عدن أهمية كبيرة بأنها عاصمة سياسية لليمن، فضلا عن موقعها الاستراتيجي على خليج عدن، وبالقرب من باب المندب وطريق الملاحة الدولي
تكتسب عدن أهمية كبيرة بأنها عاصمة سياسية لليمن، فضلا عن موقعها الاستراتيجي على خليج عدن، وبالقرب من باب المندب وطريق الملاحة الدولي. ولذا فإن جماعات العنف، ومن يقف خلفها، لا تريد لهذه المدينة أن تستقر، وكلما بدأت في الاستقرار، تعود إليها التفجيرات والعمليات الإرهابية. وباتت المدينة أيضا تدفع ثمنا كبيرا بسبب موقعها، وبسبب إدارتها الجديدة المنتمية للحراك الجنوبي، المطالب بانفصال الجنوب عن الشمال.
وقد جاء في بيان "قوات الدعم والإسناد" الذي أعقب عملية الرابع من الشهر الحالي أن منفذي العملية الإرهابية لا يريدون لعدن الاستقرار، وتوعد بملاحقة الجماعات الإرهابية والقضاء عليها. وكما هو ملاحظ، جاءت العملية في سياق الانتقام أو الثأر من القوات الأمنية في عدن، لكنها عملية ليست ككل العمليات السابقة، وهذا ما يكشف الضعف الذي باتت عليه هذه الجماعات التي لجأت إلى التفجير عن بعد، بدلا من المواجهات المباشرة التي كانت عليها قبل أعوام.
وحملت العملية عدة رسائل، منها ما هو موجّه إلى المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يُحكم السيطرة على عدن، ومنها ما هو موجه إلى الحكومة اليمنية التي تتخذ من عدن مقرّا لها، لمزاولة أعمالها. وكل الرسائل تحمل نوعاً من التحدّي وعدم الاستسلام، كما أرادت هذه الجماعات قوله من خلال العملية، وأنها ماضية في استهداف الرموز والقيادات الأمنية وإعاقة جهودهم في إعادة الأمن والاستقرار لعدن، لكن العملية، بحد ذاتها، تكشف ضعف هذه الجماعات، وإن ما قامت به لا يعني أنها بدأت تتخذ وضع الهجوم، وإنما هي عملية ثأرية لا أقل ولا أكثر، وستواجه بقوة وحزم.
يتحين الإرهاب الفرصة للعودة، وهو يتطلع دوما إلى السيطرة على مراكز المدن
هل سيعود الإرهاب إلى عدن؟ هذا السؤال الأبرز الآن يطرحه الناس، وهو موجه إلى التحالف العربي والمجلس الانتقالي والحكومة اليمنية.. هل ستذهب الجهود في إعادة الأمن والاستقرار إلى عدن أدراج الرياح، أم إن ما حدث مجرّد عملية عابرة، ولن تتكرّر؟ ما تزال المعركة مع الإرهاب قائمة في مناطق من أبين وشبوة وحضرموت، بعد تلقيه ضربات قاضية في الأربعة الأعوام الماضية، غير أنه يتحين الفرصة للعودة، وهو يتطلع دوما إلى السيطرة على مراكز المدن، كما حدث في أبين وحضرموت قبل خمس سنوات تقريبا، ما يعني أن الإرهاب لم ينته، غير أنه أصبح ضعيفا للغاية، بفعل الحرب عليه التي قادها التحالف العربي، وقوات يمنية جنوبية محلية، لكن أي ضعف أو تراخ في صفوف القوات الأمنية والعسكرية، من الممكن أن تجعله يعود، ويعربد. لذا على التحالف العربي الاهتمام بدفع مرتبات القوات الأمنية والعسكرية في الجنوب بصورة منتظمة، حتى تكون قادرة لمواجهة التحدّيات الماثلة، وفي مقدمتها الحوثيون والإرهاب.