هل يأخذ قيس سعيّد بالنصيحة؟
لا أدري إن كان الرئيس التونسي، قيس سعيّد، ستتوفر له فرصة قراءة هذا المقال أم لا. ما أعرفه أنه يتابع ما يُكتب عنه في داخل تونس وخارجها، مثل الرؤساء السابقين، بدءاً من بورقيبة وصولاً إلى الباجي قايد السبسي. ولن أكون متفائلاً أكثر من اللزوم فأتوقع أنه سيأخذ بنصيحتي، إذ عُرف عنه الاعتداد برأيه، وعدم التجاوب مع الآخرين، حتى لو كانوا من أقرب الناس إليه، فأغلب المستشارين الذين اختارهم للاستفادة من خبراتهم يتفقون في القول إنه لم يُشعرهم بأنه محتاج للاستماع إلى نصائحهم، ونادراً ما يطّلع على التقارير التي أعدّوها بطلب منه أو بمبادرة منهم. لهذا استقال أغلبهم من مناصبهم في صمت ومن دون ضجيج.
لا يهتم الرئيس كثيراً بانتقادات حركات حقوق الإنسان له، المحلية والإقليمية والعالمية. تجلّى ذلك بوضوح في مناسبات سابقة، خصوصاً عندما صدرت بيانات مشتركة وقّعت عليها كبرى المنظمات الدولية، مثل منظمتي العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش وغيرهما. ونادراً ما لجأت هذه المنظمات إلى صيغة المواقف المشتركة إلا عند الحالات المستعصية، مثلما حصل مع الرئيس بن علي عندما قرّر حلّ الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. وقد تكرّر ذلك بعد 25 جويلية (يوليو/ تموز) 2021، لما أوقف الرئيس سعيّد مسار الانتقال الديمقراطي بشكل فردي.
لم يعبأ الرئيس بالحكم الذي أصدرته المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، ودعته فيه إلى "العودة إلى الديمقراطية في أجل قدره سنتان.. وإرساء المحكمة الدستورية". كما اتهمت المحكمة الدولة التونسية "بانتهاك حق الشعب في المشاركة في إدارة شؤونه العامة كما هو مكفول في المادتين 1 و13 من الميثاق الأفريقي"، واعتبرت "أن التدابير الاستثنائية المتخذة من الدولة التونسية لم تصدُر وفقاً للقوانين المعمول بها في تونس، ولم تكن متناسبة مع الهدف الذي اعتمدت من أجله". وبناء عليه، طالبت بإلغاء الأمر الرئاسي عدد 117 المتعلق بالتدابير الاستثنائية والأمر الرئاسي عدد 69 المؤرّخ في 26 يوليو/ تموز2021 المتعلق بإعفاء رئيس الحكومة وأعضائها".
لم تكن رئاسة الجمهورية تتوقع مثل هذا القرار غير المسبوق بالنسبة لتونس، إذ فوجئت بلهجة الخطاب وبمضمونه، إذ ينسف الحكم كلّ المسار القائم ويسحب البساط من تحت أقدام الرئيس سعيّد، ويضع سلطته خارج دائرة الشرعية القانونية. وعلى الرغم من أهمية الحدث ودلالته وأبعاده، إلا أن السلطة تجاهلته، ولم تُجهد نفسها للردّ عليه، مع أن تونس من الدول المعترفة بهذه المحكمة الإقليمية، وتعهّدت عند تأسيسها باحترام قراراتها وتنفيذها.
عندما انتقدت "اللجنة الأوروبية للديمقراطية من خلال القانون"، المعروفة بلجنة البندقية، المرسوم 117، غضب قيس سعيّد غضباً شديداً، واعتبر ذلك تدخّلاً سافراً في الشؤون الداخلية، ومسّاً بسيادة بلد مستقل، وهدّد بانسحاب تونس من اللجنة، وطرد أعضاءها، رغم كان سابقاً قد استقبل رئيستها. مع ذلك، سكتت اللجنة، بحكم طابعها الاستشاري، وسكت معها الاتحاد الأوروبي الذي غلّب المصلحة السياسية على الجوانب الحقوقية.
صحيحٌ أن المحكمة الأفريقية لا تملك الصلاحيات التي تجعلها قادرةً على إجبار تونس ورئيسها على تنفيذ حكمها، غير أنها سلطةٌ قضائية، ويُعدّ حكمها سابقة خطيرة وشهادة قوية ضد الرئيس سعيّد. كما أن هذا الحكم سيصبح معتمداً من الهيئات القضائية الإقليمية والدولية، حتى لو تجاهلته السلطات المحلية، لأن عدم تنفيذه لن يقلّل من خطورته، وسيبقى يلاحق الرئيس إلى تاريخ مغادرته وظيفته الرئاسية، وربما إلى ما بعد ذلك.
نصيحتي له ألا يذهب بعيداً في معركته المفتوحة ضد حركة حقوق الإنسان الدولية، لأن ذلك ليس من مصلحته، ولا من مصلحة تونس التي هي في أشدّ الحاجة لتضامن المجتمع الدولي معها ومع شعبها الذي يمرّ في محنة صعبة. وعندما يصبح أي نظام أو رئيس موصوماً بأنه ضد حقوق الإنسان والديمقراطية، فمن شأن ذلك أن يعرّضه ويعرّض بلده إلى متاعب كثيرة ومتعدّدة. لهذا، عليه أن ينتبّه قبل فوات الأوان.