هل هي "حرب لبنان الثالثة"؟
عنونت صحيفة يسرائيل هيوم صفحتها الرئيسة، أمس الثلاثاء، بعبارة "حرب لبنان الثالثة" لتوصيف التوغّل البري الذي بدأه الجيش الإسرائيلي في الأراضي اللبنانية منذ الليلة قبل الماضية، ونُعت في وسائل إعلام أخرى بأنّه "عملية سهام الشمال". وهي حرب لم يكن سرًّا أنّ إسرائيل تُعدّ العدَّة لها منذ انتهت حرب لبنان الثانية (حرب تمّوز 2006)، التي استُهلّت، برأي مُحلّلين عسكريين إسرائيليين كُثر، بإنجازات إسرائيلية، ولكنّها انتهت بما يوصف بأنّه "تعادل سلبيّ".
ويستدعي مُجرَّد استخدام عبارة "حرب لبنان الثالثة" استذكار مجموعة وقائعَ متراكمةٍ ليس من شأنها أن تشكّل طاردًّا لهواجس راهنة بشأن ما هو حاصل. أولى هذه الوقائع ما أدلى به رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي إبّان حرب 2006، الجنرال دان حالوتس، الذي قدّم استقالته في أعقابها، في مناسبة ذكراها السنوية الثالثة عام 2009، في سياق أوّل ظهور جماهيري له أمام يوم دراسي خاص عقده "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تلّ أبيب، وشارك معه أيضًا فيه مَنْ كان نائبه في ذلك الوقت، اللواء موشيه كابلينسكي.
وممّا أكّده حالوتس أنّ مفهوم قيادة الجيش الإسرائيلي لما كان من المتوقّع أن تكون "حرب لبنان الثانية" استقرّ في أذهانها قبل عملية اختطاف الجنديَين الإسرائيليَين، التي شكَّلت الذريعة المباشرة لإعلان الحرب بوقت طويل. وانطلق هذا المفهوم بالأساس من منحيَين. الأول، الاستخدام المفرط للقوّة العسكرية بصورة تشي للعدوّ بأنّ "صاحب البيت قد مسّه الجنون". الثاني، اعتبار الدولة اللبنانية كلّها وحدة واحدة ومسؤولة بالكامل عن إطلاق الصواريخ من أراضيها على إسرائيل، ما يستلزم إلحاق الدمار الهائل بها من دون أيّ استثناءات جغرافية أو ديموغرافية. وأكّد أنّ مفهومه هذا لم يلقَ قبولًا لدى المؤسّسة السياسية الإسرائيلية.
بيد أن تصريحات إسرائيلية ظلّت تتواتر منذ انتهاء حرب لبنان الثانية، تُؤكّد بما لا يدع مجالًا لأيّ شكّ أنّ هذا المفهوم، بمنحييه المذكورَين، بات مقبولًا من المؤسّستين العسكرية والسياسية في إسرائيل، وأنّه وقف وراء الممارسات العسكرية خلال الحرب الحالية على غزّة، والاحتمال الأكبر هو أن يقف وراء هذه "الحرب الثالثة" على لبنان (بحسب ما وصفت الصحيفة الأكثر قربًا من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو واليمين الإسرائيلي الجديد) التوغّل البريّ الحالي.
وأخيراً، أكّد خبير الشؤون الأمنية غابرييل سيبوني، وهو عقيد في الاحتياط والقائد السابق للواء جولاني، أنّ حرب لبنان الثانية كانت بمثابة صرخة إيقاظ لإسرائيل، وسمحت للجيش الإسرائيلي بالاستعداد والتخطيط للردّ وفق مخاطر مُحدّدة وواقعية. وبرأيه المطلوب من الجيش عند خوض "الحرب الثالثة" تحقيق إنجازَين أساسيَّين. أولهما تقليص مدّة الحرب. ولهذا الغرض تدرّب الجيش على الأداتَين الأساسيَّتَين لديه، وهما استخدام الحركة، وإطلاق النار. وثاني الإنجازين توجيه ضربة نارية مدمّرة تُبقِي العدوَّ مشغولًا لأعوام طويلة في عملية ترميم باهظة التكلفة، وبموازاة ذلك كيّ الوعي لأعوام طويلة حول "ثمن استفزاز إسرائيل".
وقبل أعوام قليلة، قال المتخصّص في شؤون الأمن القومي الإسرائيلي، إيهود عيلام، إنّ وثيقة استراتيجية للجيش الإسرائيلي اعتُمِدت عام 2018، نصّت على أنّه في المرّة المُقبلة التي ستشتبك فيها إسرائيل مع حزب الله في حرب، سيحرص الجيش على توجيه ضربة قاسية إلى الحزب من أجل تحقيق نصر سريع. غير أنّه في الوقت عينه شدَّد على أنّ ذلك لن يكون سهلًا؛ فحزب الله ليس لديه مركز ثقل واضح يمكن سحقه، وبالتالي يتعذّر تحقيق نصر سريع وواضح لإسرائيل. كما يحظى الحزب بتأييد واسع من الطائفة الشيعية في لبنان. ومع أنّ الجيش الإسرائيلي يمتلك سلاحًا وقوّةً بشريةً أكبر مما يمتلكه حزب الله، لكن لدى الحزب أكثر من 150 ألف صاروخ، وإسرائيل كلّها في مرمى صواريخ الحزب، وهذه الكمّية الهائلة من الصواريخ لديه تعني أنّ منظومات الدفاع الإسرائيلية ستكون قادرة على اعتراض جزء منها فقط. والسبيل الأضمن لوقف إطلاق الصواريخ والقذائف هو شنّ عملية هجومية واسعة النطاق داخل لبنان.