هل ستزول إسرائيل فعلاً؟

08 أكتوبر 2022
+ الخط -

لم تستوقفني يومًا نبوءات زوال إسرائيل؛ لأنني على قناعةٍ بأن النبوءة إحدى أسلحة العاجز في مواجهة هزائم الحاضر، على الرغم من أن إحدى تلك النبوءات وردت على لسان مؤسّس حركة حماس، الشهيد أحمد ياسين، في مقابلة تلفزيونية مع قناة الجزيرة، قبل سنوات، وفيها ذهب به اليقين إلى حدّ ضرب موعد للزوال لا يتعدّى العام 2027. ولا خلاف على أن هذا المناضل ليس بعاجز، ولا مقعد، بدليل أنه أقعد إسرائيل وأوقفها على قدم واحدة طوال فترة تزعمّه الحركة، بفضل عملياتها النوعية التي أرّقت الكيان الصهيوني أعواما. على الأرجح، كان الشيخ ياسين يصدر عن تأويلاتٍ لا عقلانية، وهو يعيّن الموعد، ذلك أن الظروف الموضوعية وموازين القوى في المنطقة تدحضان هذه النبوءة، سواء في اللحظة الراهنة أو في المدى المنظور الذي يتجاوز سنة 2027 بالتأكيد.

ما استوقفني، أخيرا، أن هذه النبوءات بدأت تصدر من داخل إسرائيل نفسها، وعلى لسان علماء تاريخ وسياسيين، استنادًا إلى أعمار الكيانات اليهودية السابقة، التي لم تعمّر أزيد من مائة عام، وهو ما اعتبروه مقياسًا قابلًا للتطبيق على الدولة "اليهودية" القائمة حاليًّا في فلسطين. وربما كان تحليلهم التاريخي صحيحًا لو كانت الدولة "يهودية" حقًّا، غير أن ما يدحض هذه النبوءة (تمنيت لو كانت صائبة)، طبيعة مركّب هذه "الدولة"، ومقدّمات تأسيسها، حيث تقول الوقائع إن أغلب المهاجرين إليها ليسوا من المتديّنين، ولا يؤمنون بأي سند توراتي عن الحق اليهودي في أرض الهيكل، وبأنهم قدموا بحثًا عن ملاذ "آمن" وعدتهم به الحركة الصهيونية، وعن أحلام بثروة سريعة في أراض "غير مأهولة".

ومن مقدّمات تأسيس هذا الكيان، أيضًا، ما اشتبك فيها من أهداف دولية مع الحلم الصهيوني، بمعنى أن تأسيس إسرائيل على هذه البقعة الجغرافية، تحديدًا، كان هدفًا لدى دول الحلفاء في الحربين العالميتين الأولى والثانية، التي سعت إلى تفتيت الإمبراطورية العثمانية، وللتخلّص من العبء اليهودي على أراضيها، علاوة على التطهّر من عقدة المحارق النازية، ما يعني أن زوال إسرائيل، ولو على هيئة "نبوءة"، هو أمرٌ ممنوع في عرف تلك الدول، لا سيما أن أسباب التأسيس لم تزل قائمة، وفي مقدمتها إجهاض أي حلم بالوحدة العربية أو الإسلامية، وإبقاء المنطقة على تخلّفها وفرقتها، ومواصلة نهب ثرواتها. وذلك كله كان يمكن أن يؤخر زوال إسرائيل لا منعه تمامًا، لو كانت هناك إرادة عربية حقيقية في إزالتها، لكن ما يحدُث على الأرض، لا سيما في الأعوام التي تلت مرحلة إجهاض ثورات الربيع العربي، أبرز حاميًا جديدًا لإسرائيل، ومانعًا إضافيًّا من زوالها، متمثلًا بأنظمة حاكمة عربية، يبدو أنها غدت أشدّ صهيونية من الصهيونيين أنفسهم، وهي أنظمة مستعدّة لأن تكون في خطّ الدفاع الأول عن إسرائيل إذا تعرّضت هذه إلى تهديد وجوديّ ينذر بزوالها.

ولذلك أسباب، بالطبع، ليس أقلّها أن زوال إسرائيل يعني، حكمًا، زوال عروش هذه الأنظمة، خصوصًا أن مسوّغات بقائها على سدّة الحكم مستمدّة من مباركة إسرائيل وأميركا؛ لكونها تنفذ أجنداتهما في المنطقة، لذا هي عندما تدافع عن بقاء إسرائيل فكأنما تدافع عن تأبيد سلطتها على شعوبها.

أرجّح أن الشهيد أحمد ياسين أدلى بنبوءته تلك قبل أن يشهد اختراقات التطبيع من أنظمة عربية اختزلت، في سنة واحدة، ما فاتها من علاقات "ضائعة" مع إسرائيل منذ تأسيسها قبل نحو قرن، وإلا لكان مدّد مهلة زوال إسرائيل مائة سنة أخرى، أو ربما استبدل نبوءته بنبوءة أخرى قوامها أن "لا زوال لإسرائيل قبل زوال حُمَاتها".

EA8A09C8-5AE7-4E62-849E-5EBF1732C5FF
باسل طلوزي

كاتب وصحافي فلسطيني. يقول: أكتب في "العربي الجديد" مقالاً ساخراً في زاوية (أبيض وأسود). أحاول فيه تسليط الضوء على العلاقة المأزومة بين السلطة العربية الاستبدادية عموما والشعب، من خلال شخصيتين رئيسيتين، هما (الزعيم) والمواطن البسيط (فرج). وفي كل مقال، ثمة ومضة من تفاصيل هذه العلاقة، ومحاولة الخروج بعبرة.