هل تصالح الأسد وحماس حقّاً؟
بعد جهود وساطة إيرانية صامتة دامت عدة أشهر، ومساعٍ حثيثة قام بها حزب الله بتكليف من طهران، التقى في دمشق، بعد طول تمنّع، الرئيس السوري بشار الأسد مع ممثلي معظم الفصائل الفلسطينية، ومن ضمنهم وفد حركة حماس العائد من اجتماع مصالحة عقيم عُقد في الجزائر، وذلك إيذاناً بعودة الحركة إلى العاصمة التي غادرتها قبل نحو عشر سنوات، إثر اتّساع حدة العنف الوحشي من النظام الممانع ضد شعبه المُطالب بالحرية والكرامة.
كان اجتماع دمشق هذا دليلاً أولياً على نجاح ضغوط حزب الله، ومن خلفه إيران، على حليفيهما المشتركين في كل من دمشق وغزّة، بتجاوز تحفظات النظام السوري على استقبال قادة من الحركة التي ندّد بها طويلاً، على خلفية ما سماه "عض اليد" التي امتدت إليها ساعة محنة البحث عن ملاذ، ووضع أكثر من شرط واحد لاستقبالها، بما في ذلك عدم حضور أي من كبار قادتها، خالد مشعل وموسى أبو مرزوق وإسماعيل هنية، رؤساء المكتب السياسي المتعاقبين للحركة "الغادرة".
يبدو واضحاً أن الأسد كان كارها رؤية "حماس" في دمشق مجدّداً، وأنه أخذ يتعامل مع هذه المسألة تعامل مريضٍ مجبر على تناول حبّة دواء مُرّة، وهو ما حدا بالوسيط إلى القيام بتغليف الحبة، أو قل خليل الحيّة، بخليط سُكّر الفصائل المقيمة في الشام، لتسهيل عملية تجرّع الدواء الإيراني، الذي لا يستطيع الأسد رفضَه، وبالتالي تبهيت حضور وفد الحركة الآتي حصراً من غزّة، الأمر الذي من شأنه تلبية إلحاح الوسيط على ضرورة استعادة "حماس" إلى محور الممانعة، من دون أن يسبّب ذلك أضراراً بخطابه المندّد بالحركة الإخوانية.
ولعل الصورة التلفزيونية التي بثها الإعلام السوري عن اجتماع الأسد بالفصائل الزائرة والمقيمة تقصّ، إلى جانب تجهّمه المقصود، جانباً مهماً من الحكاية، حيث جلس الأسد، وإلى جانبه كل من سمير الرفاعي بصفته سفير فلسطين في دمشق (وليس بصفته الفتحاوية) وقائد حركة الجهاد الإسلامي، زياد النخالة، الذي جلس على المقعد الذي كان مخصّصاً لخالد مشعل وحده، فيما جلس خليل الحيّة ووفده بين صفوف الوفود الحاضرة، وفي ذلك مغزىً بروتوكولي لا يصعب فهمه، عن تراتبية الوفد الحمساوي، المساوي مكانةً لمنزلة وفود الفصائل الأخرى، بما فيها الفصائل المجهرية.
كما أن كلمة المجاملة القصيرة (على غير عادته) التي تحدّث فيها الأسد إلى ممثلي الفصائل، اقتصرت على كلام تقليدي وعام عن أهمية المصالحة الفلسطينية، وعلى وقوف سورية الدائم إلى جانب المقاومة، فيما لم يتطرق السيد الرئيس من قريب أو بعيد إلى الموضوع الذي جاءت "حماس" من أجله، ونعني به المصالحة مع دمشق، التي كانت قد اشترطت على الوسطاء عدم السماح بإعادة فتح مقرّ، أو استضافة ممثل دائم للحركة الإسلامية في العاصمة السورية، على نحو ما هو عليه الحال في بيروت وطهران وصنعاء.
لم تكن كل هذه الحيثيات كافيةً لطرح السؤال في العنوان أعلاه، بشأن ما إذا حدثت المصالحة، فعلاً، بين الأسد وحركة حماس، إلا أن مرور نحو أسبوعين على الحدث الدمشقي، من دون أن نرى شيئاً حدث على أرض الواقع بين الطرفين المعنيين بالاجتماع غير المرغوب به من جانب الأسد، وفق ما تدلّ عليه القرائن الصلبة، وصمت حزب الله إزاء نتيجة اللقاء اليتيم، بل وامتناع ماكينته الإعلامية عن التهليل بنجاح وساطة الحزب المشهود له بالمبالغة، وجعل الحبّة قبّة، لا يشير إلى أن شيئاً قد تمخض عن اللقاء، الذي سقط من التداول الإعلامي.
وبعد عودة وفد حركة حماس إلى غزّة، وصمت الحركة المطبق حيال ما تعرّض له وفدها من تهميشٍ في دمشق، إن لم نقل ازدراء، ناهيك عن تجاهل وصف خليل الحيّة اللقاء مع الأسد بأوصاف تعظيمية (تاريخية ومجيدة ودافئة)، وغير ذلك من "مسح جوخ" ونفاق، يدلّ على أن الحركة محرجة أو ربما أنها خجلة وتود تناسي ما جاء على لسان رئيس وفدها، الذي تنكّر لقادته التاريخيين الكبار، وحمّلهم وزر ما قال إنها تصرّفات فردية لا تعكس موقف "حماس" إزاء القيادة السورية، الأمر الذي عكس انطباعاً عاماً لا يليق بصورة الحركة المبدئية المجاهدة، ولا يتساوق مع مكانتها، ولا مع وزنها قطبا رئيسا في المعادلة الفلسطينية، بعد كل ما تعرّض له الوفد الحمساوي من تقزيم، وما أبداه الأسد من ضيق صدر، ظهر في لغة الجسد، إزاء رئيس الوفد، الذي ربما ردّد في سرّه "يرضى القتيل وليس يرضى القاتل".