26 أكتوبر 2024
هذه الاجتماعات الخليجية
اجتماع الدورة الخامسة عشرة للجنة العسكرية العليا لدول الخليج (رؤساء الأركان) الست في الكويت، الثلاثاء الماضي، هو الخليجي الأول بكامل الأعضاء، منذ بدء نكسة حزيران الخليجية (بتعبير الكاتب السعودي، مهنّا الحبيل، عنوانا لكتابٍ له يصدر قريبا)، وإنْ في البال أن قمّة دول المجلس انعقدت في ديسمبر/ كانون الأول الماضي في الكويت، بتمثيلٍ متدنٍ للإمارات والسعودية والبحرين. ولكن، لا يُغفل أن اجتماعيْن خليجيين كامليْن عُقدا (في الكويت دائما) سبقا اجتماع الأسبوع الماضي، للجنة التنفيذية في "مركز استهداف تمويل الإرهاب"، في مارس/ آذار ومايو/ أيار الماضيين، وهو المركز الذي أعلن عن قيامه في أثناء زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الرياض، في مايو/ أيار 2017، أياما فقط قبل اندلاع أزمة 5 يونيو/ حزيران الخليجية. غير أن الاجتماعيْن انتظما بمشاركتين أميركيتيْن، باعتبار الولايات المتحدة عضوا رئيسيا في اللجنة التنفيذية للمركز المذكور. ولمّا كان اجتماع رؤساء الأركان الخليجيين أخيرا، في مناسبةٍ دورية، فللمراقب أن يستدعي إلى الخاطر أن مناسباتٍ أخرى، دوريةً محدّدةَ المواعيد أيضا، للجانٍ خليجية عليا في شؤون الصحة والتربية والثقافة والمالية وغيرها، لم تُعقد منذ بدء حصار قطر ومقاطعتها، ما يُجيز الاجتهاد أن رؤساء الأركان لم يلتقوا إلا بطلبٍ خارجي (اقرأ أميركي)، بدلالة الاجتماع الذي انتظم، في اليوم التالي في الفندق نفسه في الكويت، مع القيادة المركزية الأميركية، وبمشاركة رئيسي الأركان الأردني والمصري، بهدف تشكيل ما صار جاريا تسميته "ناتو عربي"، بغرض مواجهة إيران.
إذن، في وسع مسؤولين من كل الدول الخليجية أن يجتمعوا إلى طاولةٍ واحدة، الأمنيين والعسكريين منهم تعيينا. لا غضاضة في ذلك، ليس الأمر مستحيلا، ولكن على أن تطلب واشنطن اجتماعاتٍ كهذه، يبدو أنها ملحّة بالنسبة للأميركان، سيما وأنها تتعلق باعتباراتهم وموجباتٍ لديهم، وبشأن بتدابير أمنية وعسكرية ومخابراتية، في موضوعتي الإرهاب وإيران، وليس من أولويةٍ غير هاتيْن لدى الإدارة الأميركية. ومؤكّد، إذن، أن في وسع هذه الإدارة أن تفرض على أهل السلطة والقرار في أبوظبي والرياض جلوس مندوبين عنهم مع مسؤولين قطريين، من دون المرجلة التافهة عن شروط (والتزاماتٍ!) على دولة قطر تلبيتها، قبل أن يتعطّف أولئك بإجازة أي اجتماعٍ معها، من قبيل تفاصح بيانٍ باسم دول الحصار الأربع تلاه، الأربعاء الماضي، مندوب الإمارات في الأمم المتحدة في جنيف، عبيد سالم الزعابي، يرفض دعوة قطر إلى تفاوضٍ من أجل الأزمة، بالقول إن "على الجانب القطري إبداء نية حقيقية في فتح حوار مسؤول مع دول المقاطعة في إطار الوساطة الكويتية"، وغريبٌ من الموظف الذي كتب البيان أن يأتي على هذه الوساطة التي لم تحترم الرياض وأبوظبي جهدها، ولا أي مطلبٍ تقدّمت به.
هي الحقيقة المعلومة منذ اليوم الأول لحملة دول الحصار على قطر، وشنّ حرب إعلامية وسياسية جرى فيها استخدام كل ألوان السفالة والسفاهة، وموجزها أن قرارا أميركيا، من البيت الأبيض تحديدا، وحده يحلّ هذه المهزلة في الخليج، وأن غياب هذا القرار، وميوعة البيت الأبيض وتردّده في هذا الشأن، ثلاثٌ من الأسلحة التي تتوسّلها أبوظبي والرياض في إدامة الأزمة، بانتظار مستجدّاتٍ، تقيم في مدارك الحاكمين في العاصمتين وأخيلتهم وأوهامهم، تتيح لهم تنفيذ ما يدبّران ويخطّطان ضد قطر وقيادتها وشعبها وإمكاناتها وثرواتها. وإلا من أين تأتّت كل هذه القوة السياسية لدى السعودية (المقرّ ضدها في الكونغرس قانونٌ يتهمها بدعم إرهابيين) ولدى الإمارات (المتّهمة بعدم نظافة مؤسساتها المالية في محاصرة الإرهابيين)، حتى يكون في مقدورهما رفض عقد قمة خليجية أميركية، ما أن يتحدد موعد لها حتى يتم تأجيله؟
ليس في أوهام أحدٍ، لا في الدوحة ولا في الكويت أو مسقط مثلا، أن بيد واشنطن عصا الساحر الذي يُنهي مسخرة الحصار والمقاطعة الخائبة برقصةٍ واحدة، وإنما في قناعة الجميع أن في مقدور الرئيس دونالد ترامب، وإنْ أوضاعُه مهتزّة وفضائحُه لا تتوقّف، أن يُلزم الرياض وأبوظبي (والمنامة) بإيفاد ممثلين عنهم للجلوس مع مسؤولين قطريين في أي مطرح، من أجل سببٍ واحد وحيد، هو البحث جدّيا في سبل إنهاء هذه الحالة الشاذّة.. ليس متوقعا أن يفعل، أقلّه الآن وقريبا.