هذا الجنرال العجيب
كثيرون استبقوا الأحداث، وتوقّعوا لمسلسل "ابتسم أيها الجنرال" النجاح مذ إعلان عرضه في رمضان المنقضي، وتوقّع آخرون له الفشل. قدّم بعضُهم مسوّغات لآرائهم، ويرى آخرون أنّ من واجب القارئ أن يثق بهم، فلا يسأل عن أشياء لا يقدر مستواه العقليُّ على استيعابها. ثم، وبعد عرض حلقةٍ أو حلقتين، بدأنا نقرأ تقييماتٍ له كثيرة، وعجيبة، منها أن مسلسلاً يبدأ بفضيحةٍ جنسية لا بد أن يفشل! تأتي هذه الآراء المتسرعة غالباً من أناسٍ لهم علاقة ضئيلة بعمليات الإنتاج التلفزيوني، ما يدلّ، في المحصلة، على أن المجتمع السوري منقسم، ومريض، ومنهَك بالسنوات الاثنتي عشرة التي مرّت عليه.
لستُ مختصّاً بنقد الدراما، ولكنني مشاهِد، ومتابع، لما أُنتج منها اعتباراً من سنة 1960. وعندي تجربة متواضعة في الكتابة الدرامية، وأعتمد مقياساً خاصاً للنجاح، هو المتعة، فالعمل القصصي، أو الروائي، أو المسرحي، أو الإذاعي، أو التلفزيوني، إذا أمسكني من ياقتي، وجعلني أتابعه، ناجحٌ بالضرورة، وياما أعمال إبداعية لكتّاب كبار، ومشاهير، أجبرتُ نفسي على متابعة بداياتها، ولم أستطع إكمالها، والعكس صحيح، فقبل مدّة، أمسكتْ بتلابيبي مجموعةٌ قصصيةٌ لكاتبٍ لا أعرفه، فلم أتركها حتى انتهيتُ من قراءتها... وذات يوم، وأنا أقلب في صفحات يوتيوب، صادفتني الحلقة الـ17، من الجزء الثالث، من مسلسل "الولادة من الخاصرة"، للكاتب سامر رضوان، وإذا بالمتعة غير المحدودة تُعيدني إلى الحلقة الأولى منه. وبعد فراغي من الجزء الثالث، دفعني الفضول إلى مشاهدة الجزأين الأول والثاني، وعندما عُرض لسامر رضوان مسلسل "دقيقة صمت" شاهدته من دون تردّد، وكتبت عن الأعمال الأربعة. (العربي الجديد. 26/1/2020).
في أثناء اللغط حول "ابتسم أيها الجنرال"، في البداية، تسلّل إليّ الشك، ووضعت احتمالاً صغيراً، أن يكون مستوى الكاتب سامر قد تعرّض لهبوط مفاجئ، وانتظرت حتى بدأت حلقاته تُحَمَّل على "يوتيوب"، ورحتُ أتابعها بشغفي المعهود.. وحقيقة، مخاوفي سببُها معرفتي أن إنتاج عمل درامي كبير يحتاج إلى عدد من نجوم الدراما المعروفين، ومعظم هؤلاء لم يغادروا سورية، ولكن هذه المشكلة، كما شاهدتُ، حُلّت على ثلاثة محاور، أولها أن النص كان النجم الأبرز في العمل، نصٌّ يتجرّأ، في سابقة جديدة تماماً، على مقاربة أحداثٍ مرّت بأسرة الأسد، بلعبةٍ ذكية جداً، تعتمد على نقل أزمة الثمانينيات، بين حافظ ورفعت، إلى ما بعد سنة 2000، ومن خلالها استطاع أن يلقي الضوء على معظم ما ارتكبه ذلك الحكم الديكتاتوري من فظائع. وثانيها أن الشركة المُنتجة عهدت بإخراجه إلى مخرج مفاجئ، عروة محمد، الذي يمكننا القول إنه "نَجَّمَ" بهذا العمل، وإن كان من المتوقع أن يُماريني مخرجون متمرّسون، ويقول أحدهم باستخفاف: ما شاء الله، كمان تفهم بالإخراج؟ ولكنني أحيلهم إلى المبدأ الذي أشتغل عليه، أعني تحقيق المتعة التي تأتي من أن مَن يشاهِد العمل لا يشعر بإملال، أو مبالغة (over)، أو تنفيذ ساذج لمشاهد صعبة، وبالأخص في أثناء إدارة المجاميع البشرية. وهنا مناسبة للقول إن الشركة المنفّذة خدمت العملية الإنتاجية بسخاء، مع أن المسلسل ينتمي إلى جنس الإنتاج الضخم، فهناك عدد ضخم من الممثلين، والكومبارس، ومواقع التصوير ذات الخصوصية الصعبة، كالأقبية، والطرق الجبلية، والساحات العامة، والديكورات، والمعدّات، والإكسسوارات، بالإضافة إلى فنّيات الصوت والإضاءة... وهنا نصل إلى الممثلين الذين قاموا بأدوار البطولة، وأنا أزعم أنهم (على قلة عددهم) كانوا نجوماً، ابتداءً من المفاجأة غير المتوقعة لمعظم المشاهدين، غطفان غنّوم، الذي عمل وكأنه نجم ذو تاريخ، وإن كان عبد الحكيم قطيفان قد قدّم كمّاً كبيراً من أدوار البطولة النجومية سابقاً، إلا أنه تألّق هنا، في دور حيدر، ومثله مكسيم خليل، وريم علي، وسوسن أرشيد، ونوار بلبل، وعزة البحرة، وبسّام قطيفان، وكمال البنّي.