هذا الاتحاد.. هذه الرداءة

29 سبتمبر 2017
+ الخط -
لقائلٍ أن يقول إن من قلة العقل، ربما، أن يُلتفت إلى ما يقوله الكيان المسمّى، الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، وإلى ما لا يقوله، لكنه شغلنا، نحن الذين نعمل في الصحافة، أن نؤشّر إلى الخراب في أي موضعٍ كان، ولو في اجتماعٍ في فندق في مدينة العين في دولة الإمارات، تداعى إليه ناس قياديون في الاتحاد المذكور، من أجل تعزيز ثقافة مقاومة الإرهاب، كما أعلنوا. وإذا خالطت هذا الخراب رداءاتٌ مضحكة، بعضها في منزلة الفضيحة، فإننا، أهل التعليقات الصحافية، ملزَمون، ربما، بتنبيه قرائنا إلى وقائع كهذه، من قبيل أن الاجتماع المتحدّث عنه انتهى في العشرين من سبتمبر/ أيلول الجاري، فيما يُعلن بيانُه الختامي، بعد سبعة أيامٍ من انتهائه، في أبوظبي. ولأن سوء الظن من حسن الفطن، يستشعر المرء أن "طبخا" ربما جرى لكتابة هذا البيان، بعيدا عن عيون "الوفود المشاركة"، إذ أذيع بعد مغادرتها البلاد بأسبوع. وحتى لا يذهب بنا سوء الظن إلى شططٍ أو تزيّد، وحتى لا يعتقد الأمين العام للاتحاد، حبيب الصايغ، أن كلامنا هذا يفترض أن اجتماع العين كان يخوض في تدابير كونية، من أجل تخليص العالم من شرور إسرائيل وإيران وغيرهما، فإن "الطبخ" المرجّح أنه جرى، واستغرق سبعة أيام، إنما يختصّ فقط بالبند "عاشرا"، في البيان، والذي اندسّ، غالبا، من دون أن يُؤخذ إجماعٌ عليه، أو يحرز موافقاتٍ من كل مندوبي التشكيلات الأعضاء في الاتحاد، فيجوز السؤال، هنا، عمّا إذا كانت وفود السودان والكويت والجزائر (أمثلة) وافقت على ما احتواه "عاشرا" هذا. 

يدين الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، في البند العاشر لبيان اجتماع مكتبه الدائم في العين، ما سمّاه تمويل النظام في قطر ودعمه الإرهاب "في أكثر من مكان في الوطن العربي"، ويدعو الكتابَ والأدباء والمثقفين والمؤسسات والهيئات العربية إلى تعليق التعامل مع النظام في قطر "حتى تحقيق كل المطالب التي قدمتها له دول المقاطعة". وللحق، يُغبط المجتمعون في العين (غابت رابطة الكتاب الأردنيين عنهم لأسباب أخرى) على فائض العنترية التي يرفلون بها، ولم نكن نعلم من أمرهم هذا شيئا. وأغلب الظن أنهم صاروا كذلك، بعد أن صار شاعر الإمارات الأغر، حبيب الصايغ، يقود الاتحاد العام (أنشئ في 1954)، ومستضيفا له في العامين الماضيين، في أبوظبي ودبي والعين. يتأكد هذا في استنكار أبطال نحريرين، صاغوا "عاشراً" في هذا البيان الذي تصدّى لإسرائيل وللولايات المتحدة في بعض بنوده التسعة السابقة، "الدور الهدّام والتخريبي لقناة الجزيرة الفضائية التي تمثل ذراعا إعلامية سوداء للفكر التكفيري، و... و... إلخ".
قد يبعث بيان اجتماع العين على الضحك الذي كالبكاء، أو الترويح قليلا عن النفس، إذ ثمّة "تقمّصٌ" شبيهٌ بالذي يتحدّث عنه نقاد المسرح ودارسوه، عندما يرتدي كتاب ومثقفون أقمشة موظفي أجهزة الأمن ومؤسسات الرقابة وجلاوزة وزارات الداخلية، في غير بلد عربي. وفي البال أن الاتحاد العام الذي يجمع هؤلاء أفرط، في السنوات الأربع الأخيرة، في ذيليته لأنظمة الثورات المضادة في الإمارات وسورية ومصر وغيرها. والقول هنا، في أمر آخر بصدده أيضا، إن على هذا الاتحاد أن يكفّ عن استخدام القدس في تشبيحه المستمر ضد الشعوب العربية، فقد صنع أمرا بالغ السخافة، عندما منح جائزته المسمّاة جائزة القدس، مناصفة لرئيس اتحاد الكتاب العرب (السوري)، نضال الصالح، والكاتب المصري الذي كان قد أُقطع منصب مستشار للاتحاد، بعد انتهاء ولايته أمينا عاما (!)، محمد سلماوي. فإذا كان حبيب الصايغ، ومشايعوه من رؤساء الاتحادات العربية الأعضاء، مغرومين بانتصارات النظام في دمشق، كما تبدّى في بنود أخرى في البيان، فيقرّرون عقد مؤتمر مقبل للاتحاد في العاصمة السورية، فذلك كله شأنهم، غير أن الإساءة للقدس لا يجوز التسامح معها، عندما يمنحون جائزةً تحمل اسمها إلى نصيرٍ نشط لنظام القتل في سورية، لم نصادف له يوما أي مساهمةٍ من أجل القدس. وكم هو مضحكٌ أن تحتفي وكالة الأنباء السورية الحكومية بهذه الجائزة، فتنشر الخبر خلوا من انتصافها مع كاتب آخر، من أذرع عبد الفتاح السيسي.
هذا إيجازٌ بشأن رداءاتٍ مضحكاتٍ في طور مستجدّ من نوبات التشبيح والدسّ والعنتريات البائسة التي يواظب حبيب الصايغ ورفاق له عليها، وثمّة غيرها كثير، لها مقام آخر.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.