هؤلاء المتآمرون على المقاومة

21 ابريل 2024
+ الخط -

يتفهّم عمومُ المواطنين العرب حالةَ الخوفِ التي أصابت أنظمتهم في الأشهر الماضية، فميزان القوى العسكري والسياسي هو في مصلحة الكيان الصهيوني. وتعلمُ الشعوب أنّ الغضب الإسرائيلي على أيّ دولة عربية قد يتحوّل عاصفةً لا تُبقي ولا تَذر. هذا ما ترسّخ في الأذهان عشرات السنين، وجعل الشعوب تمتنع عن دعوة حكوماتها إلى خوض حرب، ولو محدودة، ضدّ الدولة العبرية، رغم الجرائم الهائلة التي ارتكبتها ولا تزال. مع ذلك، لم تستطع هذه الشعوب أن تجد مبرّراً واحداً من شأنه أن يدفع بعض الحكومات إلى التورّطِ في حماية الكيان الصهيوني ودعمه، خصوصاً في الظروف الحالية. فما الذي جعل تلك الحكومات تتصدّى للمُسيَّرات والصواريخ الإيرانية المتّجهة نحو مدن فلسطين المحتلّة، وهي تعلم أنّ 90% من سكان الكرة الأرضية مُناهضون لهذا الكيان؟

هذا السلوك الشاذ وغير الطبيعي جعل محرّر الشؤون العربية في صحيفة هآرتس الإسرائيلية يعتبر أنّ الدول العربية التي اصطفّت إلى جانب إسرائيل في حربها على غزّة، وكذلك خلال آخر هجوم إيراني، "تواجه صعوبة في تبرير تحالفها غير المسبوق مع تل أبيب أمام شعوبها". وأضاف: "عندما وُضِعت هذه الأنظمة على المحكّ، اختارت جانب التحالف الأميركي الإسرائيلي". وما ذكره الكاتب في مقاله لم يجرؤ آلاف الكتّاب العرب على ذكره، خوفاً أو لغياب الأدلّة القاطعة، حين أشار إلى أنّ بعض هذه الأنظمة "قدّمت معلومات استخباراتية، في حين اتخذ بعضُهم الآخر تدابير سرّية، رغم أنّهم كانوا يدركون أنّ مصالحهم لم تكن تواجه تهديداً مباشراً، وبأنّ هدف الهجوم كان إسرائيل فقط". وأكّد، في هذا الخصوص، أنّ الحرب على غزّة "صعّبت على الزعماء العرب أن يشرحوا تصرّفاتهم بطريقة تُقنع شعوبهم".

أصبحت الصورة حالياً أكثر وضوحاً من أي وقت مضى. ستواصل المقاومة تحمّل أعباء هذه الحرب وحدها. ليس هذا فقط، بل ستجد نفسها تواجه أكثر من عدوّ في الوقت نفسه. لهذا، وجَّهَتْ رسائل عديدة إلى الأنظمة العربية من دون أن تهاجمها أو تقطع العلاقة مع أيّ نظام منها، فللضرورة أحكام، رغم علمها بالمؤامرات التي تجري على قدم وساق في هذه العاصمة أو تلك. لم تطلب المقاومة منهم جميعاً المشاركة في الحرب، ولا دعمها، ولا ممارسة الضغط على إسرائيل. وتجنّبت لغة التهديد التي كان يلجأ إليها ياسر عرفات عندما تقلّ موارد منظمّة التحرير الفلسطينية، رغم علمها بما يحصل داخل الكواليس، وفي الجلسات الضيّقة مع القيادات الأمنية، الإسرائيلية والأميركية. كلّ ما طالبت به المقاومة أن يتركوها تواجه الجيش الصهيوني وحلفاءه وحدها، وأكّدت لهم بوضوح أنّها "إذا انتصرت في المعركة فإنّ انتصارها هو انتصارٌ لهم، وإن خسرت الحربَ تحمّلت النتائج وحدها". يعني: خلّوا بينها وبين إسرائيل.

حتى هذا الرجاء لم يلتزم به عرب يتظاهرون بالموافقة، ويعملون في الخفاء على كسر شوكة المقاومة وإضعافها بكلّ الطرائق، لأنّهم يريدون تدميرها بالكامل. يرغبون جدّياً في التخلص منها ومن أسلحتها وأنفاقها وأبطالها، ومن خطابها الذي يعتبرونه "انتحارياً". ويظنّون أن دفن المقاومة ينهي الصراع، ويفتح أبواب الازدهار، ويرفضون تصديق أنّ الخطة الصهيونية أكبر من احتلال غزّة والضفّة والقدس. لهذا، ينتظر جميعهم تقريباً معركة رفح، ويتوهّمون أنّها الضربة القاضية التي ستُسكِتُ إلى الأبد، صوت المقاومة.

إليكم هذا الحوار القصير الذي دار بين المفكر الإيراني، علي شريعتي، وصديق له: قلت لصديقي: لماذا لا يصيح ديكُك؟

قال: اشتكى منه الجيران لأنّه يوقظهم، فذبحناه. ... هنا فهمت أنّ كلّ من يُوقِظ الناس من سباتهم على امتداد التاريخ هناك من يريد قطع رأسه. في حياتنا يتداول الناس اسم الدجاج ولا أحد يذكر الديك، يفكّرون بمن يَملَأ بطونهم ولا يفكّرون بمن يوقظ عقولهم وأفكارهم".

هكذا هو وضع الحكّام العرب، لا يسمعون، وإذا سمعوا لا يفهمون، وإذا فهموا لا يصدّقون. وفي كل الحالات، يرفضون من يُوقظهم من غَفْلَتِهِم الطويلة. موعدنا ما بعد رفح.

266D5D6F-83D2-4CAD-BB85-E2BADDBC78E9
صلاح الدين الجورشي

مدير مكتب "العربي الجديد" في تونس