نهاية حقبة الأسد
يستطيع السوري الملتجئ في دولة أوروبية أن يتّبع أحد خيارين: أن يغلق الأدوات الإلكترونية التي تصله بالإنترنت، وينام قرير العين، لا يستيقظ حتى يأتي أحد أحفاده ويقول له: أبشر جدّي، سقط نظام الأسد، أو أن ينظر بعين الريبة إلى الأخبار والتحليلات التي تبشّره باقتراب سقوط الأسد. وإذا لم يطبّق أحدَ ذينك الخيارين، أو كليهما، لا بأس أن يلجأ إلى الخطة باء، فيتحسّس رأسه، وجبينه، وسائر أعضاء جسمه، ليتأكّد من أنه حيٌّ يُرزق، ثم يتلقّى التحليلات التي تحكي عن حربٍ وشيكة الوقوع بين القوات الأميركية المتمركزة في سورية والقوات الإيرانية، وأبرزها أن أميركا، بعدما تنظّف سورية من الوجود العسكري الإيراني، ستنقضّ على القصر الجمهوري، وتقول للأسد: أما كفاك ظلماً لهذا الشعب المقهور؟ وتسحبه، مع أفراد عصابته، إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي.
المثير للشفقة أننا مستمرّون، منذ ما يقارب ثلاث عشرة سنة، بالتعلّق بالأوهام، والتخبّط الناجم عن كسل عقلي مزمن يمنعنا من التساؤل عن سبب سكوت أميركا وحلفائها عن الوجود الإيراني في سورية طوال تلك السنين، و"شو عَدَا ما بَدَا"، أي ما الذي استجدَّ، حتى فطنتْ لهذا الوجود، الآن، وقرّرت اقتلاعه؟ و"شو عدا ما بدا" حتى تغيّر خطّتها تجاه نظام الأسد، وتقرّر إسقاطه عسكرياً؟
الأمر، يا سيدي، وببساطة، أن أميركا مستمرّة، منذ شهرين، في زيادة حشودها العسكرية عند الحدود السورية العراقية، ومن المتوقّع أن تشنّ هجوماً واسعاً على المليشيات العراقية المدعومة من إيران، بعدما أصبح قسم كبير من قياداتها وأفرادها على الأرض السورية، والسبب أن هذه المليشيات تستهدف القوات الأميركية في العراق.. وأزيدك من القصيد بيتاً، أن النظام الإيراني يعرف هذا الأمر، بل ومستشعر هذا الخطر، بدليل صدور تعليماته لمليشياته المتغلغلة في سورية بعدم التعرّض للقوات الأميركية، بالإضافة إلى زيارة خبراء عسكريين إيرانيين واشنطن، لبحث هذا الأمر، أملاً بتجنّب هذه الضربة.
وبما أن بائعي الأوهام قد أصبحوا في بلادنا أكثر من الهمّ على القلب، فقد أصبح أبناء الشعب الغلبان يحتارون ممن يشترون أوهامهم، فهذا يُخبرهم بأنه قادم قريباً ليكون رئيس سورية، مكان بشّار الأسد، بتوافق أميركي روسي سعودي تركي صيني، وآخر يقول إن أميركا ستفرضه، رئيساً، على مَن يريد ومن لا يريد، بالقوة، وثالث يزعم أن المجتمع الدولي، الحريص جداً على أمن إسرائيل ومصالحها المستقبلية، اختاره، باعتبار أنه يدعو إلى الصلح مع إسرائيل، ورابع يدغدغ المنطق البسيط، فيقول إن الوضع في سورية، الآن، منفلتٌ، وسيزداد انفلاتاً بعدما تنتهي أميركا من إسقاط الأسد، ولهذا يكون أفضل حلّ لسورية في تشكيل مجلس عسكري، برئاسته، ولم لا؟ وهو صاحب شعبية قوية داخل سورية، وبالأخص بين الضبّاط، ثم يخفّض صوته ويغمز بعينه، يقول "حتى العلويون يريدونني". وخامس يقول لك إن المجتمع الدولي كان يدعم الأقليات الدينية، ولذلك دعم حكم حافظ الأسد العلوي، ولكن هذا النظام أصبح عبئاً على العالم كله، بعد ضلوعه بالإرهاب، وتهريب الكبتاغون، ولذلك اختاروه لأنه يمثل المعتدلين من أهل السنّة.
الغريب في الأمر أن أياً من المسؤولين الأميركان لم يذكر، خلال السنوات الـ13 الماضية، أن أميركا تريد أن تستعمل القوة العسكرية لإسقاط نظام الأسد، وقد بقي هذا الموقف على حاله منذ أيام خطوط أوباما الحمراء التي تجاوزها الأسد ودفع ثمن تجاوزها ضمن تمثيلية تسليم الأسلحة الكيماوية، واكتفى ترامب، بعد قليل من "القَرْوَشة"، بضرب مطار الشعيرات. ولكن الواضح تماماً في السياسة الأميركية أنها تريد أن تستمر بتضييق الخناق على نظام الأسد، بواسطة العقوبات، إلى أن يسقُط من تلقاء نفسه، ولا يستبعد أن تتدخّل أميركا، لحظتئذ، لإيجاد حلٍّ ما... بعد أن تكون سورية قد تحوّلت إلى أنقاض.