25 اغسطس 2024
نهاية الثورة السورية
نجح ابنُ حافظ الأسد، وسقطنا نحن الثوار. كانت خطتُنا، منذ البداية، أن نفضح إجرامَه، ونقول للعالم: يا عالم، يا متحضّر، يا رعاةَ حقوق الإنسان، انظروا إلى هذا المجرم كيف يقتل الشعب الأعزل. وكان الناشطون الثوريون يركضون من مكان إلى آخر، متأبّطين أجهزة الموبايل، متحيّنين الفرص لالتقاط صور لإجرام النظام، صور حقيقية، ليست مفبركةً بالفوتوشوب، أو في استوديوهات الجزيرة.
أذكر، في بداية الثورة، 2011، وكنت أعيش في مدينة إدلب، أنه جاءت لجنةٌ عربية برئاسة رجل يُدعى محمد الدَابّي. اجتمعنا، نحن الثوار، يومئذ، في أحد مقرّاتنا، وتبادلنا التهاني باقتراب سقوط النظام، وقلنا: ها هي لجنةٌ مرسلة من جامعة الدول العربية قد جاءت خصيصاً لكي تأتي بأَجَلِ نظام الأسد، والمهم في الموضوع الآن، يا شباب، أن نتعاون مع اللجنة، ونزوّدها بكل ما يلزمها من أجل هذا الغرض العظيم.
استاجرت اللجنةُ التي أفرزت للعمل في نطاق محافظة إدلب منزلاً في حارة بستان غنوم، وصرنا، نحن الثوار، نمشي إليها منتصبي القامة مرفوعي الهامة. هل كنا نخاف؟ أبداً؛ ومم نخاف؟ إن مَنْ يجرؤ على الخروج في مظاهرة احتجاج بعد أربعين سنة من حكم الديكتاتور، ويهتف مطالباً ابنَ حافظ الأسد بالرحيل، يستحيل أن يخاف حتى من الرصاص الحي.. بل إننا تعرّضنا أكثر من مرة، للرصاص، ولم نخف، مع أننا، والله، أمضينا القسم الأول من حياتنا قبل الثورة ونحن نخافُ من خيالاتنا، ونخافُ من عنصر المخابرات الذي يأتي من عمق الزقاق حاملاً في يده دفتر مذكّراتٍ، لا بد أنه اغتصبه من إحدى الدوائر الحكومية.
كنا نقعد مع أعضاء اللجنة، ونحكي لهم عن الاعتقالات اليومية، والمداهمات، وقمع المظاهرات بالقوة، وعن لواء المشاة المدرّع الذي اجتاح جبلَ الزاوية، انطلاقاً من قرية الرامي، وفرض سيطرته عليه. توقف المراقب العربي عند هذا الكلام، وقال: لا قيمة لأي معلومةٍ غير موثقة تقدّمونها لنا. هل ترافقوننا إلى هناك؟ قال أكثر من ثائر، في آن واحد: طبعاً.
في قرية عين لاروز، على ما رُوِي لنا، قال أحد ناشطي الثورة لعضو اللجنة العربية: انظر هنا، تحت الأرض، يوجد مستودع كبير، خبأوا فيه دباباتٍ وأسلحة ثقيلة متنوعة. ثم فتح موبايله، والتقط صورة للمصفحات المخبأة. وبلمح البصر، خرج ضابطٌ بلا رتب، من بين المصفحات، وأمسك الناشط بقوة، وبطحه أرضاً، وبدأ يعجقُه بيديه ورجليه، ويعضّه بأسنانه، وتَدَخَّلَ بضعةُ عساكر، وراحوا يؤازرون معلمهم، ويشاركون في تعجيق الناشط، وأخذوا منه الموبايل، ووضعوه على حجر، ودقوه بالحجارة، حتى صار مثل الطحين، وحينما أبدى عضو اللجنة العربية دهشته وتعجبه مما حصل، قال له الضابط:
- عفواً يا أخ.. أنت جئت إلى هنا بصفة مراقب، أما هذا الكلب الواطي فهو من أهل بلدنا، يعني هذا شأن داخلي، لا يخصّك. أنت تستطيع أن تفعل شيئاً واحداً؛ وهو أن تسجل عندك ما حصل، وترفعه إلى معلمك الدابّي.
تعلمون، أعزائي، أن نظام ابن حافظ تخطّى، يومئذ، عَقَبة اللجنة العربية، وصار إعلامه يستهزئ بجامعة الدول العربية، وبالعرب. وبعد حين من الزمان، أخرج مصفحاته من المخابئ، وراح يمطر المدن والبلدات بالقنابل، ثم حرّك سلاحه الجوي، وصار يحصد أرواح الناس بالجملة، وأنزل سلاح البراميل إلى الميدان، وصار يضربنا بالبالستي والكيميائي والعنقودي، وصارت دول العالم تتفرّج، والمنظمات الحقوقية تراقب وتسجل وتحصي، والدول الراعية لحقوق الإنسان تشجب وتستنكر. وبين حين وآخر، يجتمع قادة بعض الدول في مكانٍ ما، ويتحدّثون عن ضرورة إيجاد حل للقضية السورية. أما زعماء روسيا وإيران فيبحثون عن حلٍّ يقضي بالإبقاء على بشار الأسد، ومساعدته في الحصول على شوية مليارات بحجة الإعمار، ليضيفها إلى أرصدته المودعة في بنكٍ ما من بنوك العالم، مفترضين، أو متوهمين أن الثورة انتهت.
أذكر، في بداية الثورة، 2011، وكنت أعيش في مدينة إدلب، أنه جاءت لجنةٌ عربية برئاسة رجل يُدعى محمد الدَابّي. اجتمعنا، نحن الثوار، يومئذ، في أحد مقرّاتنا، وتبادلنا التهاني باقتراب سقوط النظام، وقلنا: ها هي لجنةٌ مرسلة من جامعة الدول العربية قد جاءت خصيصاً لكي تأتي بأَجَلِ نظام الأسد، والمهم في الموضوع الآن، يا شباب، أن نتعاون مع اللجنة، ونزوّدها بكل ما يلزمها من أجل هذا الغرض العظيم.
استاجرت اللجنةُ التي أفرزت للعمل في نطاق محافظة إدلب منزلاً في حارة بستان غنوم، وصرنا، نحن الثوار، نمشي إليها منتصبي القامة مرفوعي الهامة. هل كنا نخاف؟ أبداً؛ ومم نخاف؟ إن مَنْ يجرؤ على الخروج في مظاهرة احتجاج بعد أربعين سنة من حكم الديكتاتور، ويهتف مطالباً ابنَ حافظ الأسد بالرحيل، يستحيل أن يخاف حتى من الرصاص الحي.. بل إننا تعرّضنا أكثر من مرة، للرصاص، ولم نخف، مع أننا، والله، أمضينا القسم الأول من حياتنا قبل الثورة ونحن نخافُ من خيالاتنا، ونخافُ من عنصر المخابرات الذي يأتي من عمق الزقاق حاملاً في يده دفتر مذكّراتٍ، لا بد أنه اغتصبه من إحدى الدوائر الحكومية.
كنا نقعد مع أعضاء اللجنة، ونحكي لهم عن الاعتقالات اليومية، والمداهمات، وقمع المظاهرات بالقوة، وعن لواء المشاة المدرّع الذي اجتاح جبلَ الزاوية، انطلاقاً من قرية الرامي، وفرض سيطرته عليه. توقف المراقب العربي عند هذا الكلام، وقال: لا قيمة لأي معلومةٍ غير موثقة تقدّمونها لنا. هل ترافقوننا إلى هناك؟ قال أكثر من ثائر، في آن واحد: طبعاً.
في قرية عين لاروز، على ما رُوِي لنا، قال أحد ناشطي الثورة لعضو اللجنة العربية: انظر هنا، تحت الأرض، يوجد مستودع كبير، خبأوا فيه دباباتٍ وأسلحة ثقيلة متنوعة. ثم فتح موبايله، والتقط صورة للمصفحات المخبأة. وبلمح البصر، خرج ضابطٌ بلا رتب، من بين المصفحات، وأمسك الناشط بقوة، وبطحه أرضاً، وبدأ يعجقُه بيديه ورجليه، ويعضّه بأسنانه، وتَدَخَّلَ بضعةُ عساكر، وراحوا يؤازرون معلمهم، ويشاركون في تعجيق الناشط، وأخذوا منه الموبايل، ووضعوه على حجر، ودقوه بالحجارة، حتى صار مثل الطحين، وحينما أبدى عضو اللجنة العربية دهشته وتعجبه مما حصل، قال له الضابط:
- عفواً يا أخ.. أنت جئت إلى هنا بصفة مراقب، أما هذا الكلب الواطي فهو من أهل بلدنا، يعني هذا شأن داخلي، لا يخصّك. أنت تستطيع أن تفعل شيئاً واحداً؛ وهو أن تسجل عندك ما حصل، وترفعه إلى معلمك الدابّي.
تعلمون، أعزائي، أن نظام ابن حافظ تخطّى، يومئذ، عَقَبة اللجنة العربية، وصار إعلامه يستهزئ بجامعة الدول العربية، وبالعرب. وبعد حين من الزمان، أخرج مصفحاته من المخابئ، وراح يمطر المدن والبلدات بالقنابل، ثم حرّك سلاحه الجوي، وصار يحصد أرواح الناس بالجملة، وأنزل سلاح البراميل إلى الميدان، وصار يضربنا بالبالستي والكيميائي والعنقودي، وصارت دول العالم تتفرّج، والمنظمات الحقوقية تراقب وتسجل وتحصي، والدول الراعية لحقوق الإنسان تشجب وتستنكر. وبين حين وآخر، يجتمع قادة بعض الدول في مكانٍ ما، ويتحدّثون عن ضرورة إيجاد حل للقضية السورية. أما زعماء روسيا وإيران فيبحثون عن حلٍّ يقضي بالإبقاء على بشار الأسد، ومساعدته في الحصول على شوية مليارات بحجة الإعمار، ليضيفها إلى أرصدته المودعة في بنكٍ ما من بنوك العالم، مفترضين، أو متوهمين أن الثورة انتهت.