نظام الأسد والجامعة العربية ... وافق شنٌّ طبقة
عندما علقت جامعة الدول العربية عضوية سورية (نوفمبر/ تشرين الثاني 2011) لم يكن ذلك تضامناً خالصاً مع الشعب السوري، وإدانة لجرائم نظام بشار الأسد بحقه. معظم الأنظمة العربية حينها، ولا يزال الحال كذلك اليوم، لم يكن يقلّ قمعية وديكتاتورية عنه. ومن المفارقات، حينئذ، أن وزراء الخارجية العرب الذين اتخذوا القرار بحق نظام الأسد تغاضوا عن جرائم مماثلة كان يرتكبها نظام الرئيس اليمني الراحل، علي عبد الله صالح، بحقّ شعبه. ولم يكن جلّ من صوت على تعليق عضوية سورية حينها يعبأون بحرمة الدم السوري، ولا حتى اليمني، ولم يكونوا يؤمنون بقدسية أيٍّ منهما.
ببساطة، كان القرار حينها تصفية لحسابات قديمة مع نظام الأسد من بعض أنظمة عربية أغضبتها مواقف سابقة لدمشق اتّسقت فيها مع نبض الشارع العربي، كموقفها من العدوان الأنغلوسكسوني على العراق (2003) والعدوانين الإسرائيليين، على لبنان (2206)، وقطاع غزة (2009)، مع ضرورة الاستدراك هنا أن هذا لا يعطي للنظام رخصةً لسحق شعبه، ولا يتيح مجالاً لمحاولة تفهم دوافعه الإجرامية. أغلب تلك الأنظمة التي كانت، ولا تزال، جزءاً مما يسمّى "محور الاعتدال" العربي المتحالف مع أميركا وإسرائيل كانت غاضبة من انتماء دمشق إلى ما يسمّى "محور الممانعة" في المنطقة، والذي تتصدّره إيران، وتنضوي تحته حركات كحزب الله اللبناني وحماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين. وقد بلغ التوتر بين دمشق وبعض عواصم "محور الاعتدال" العربي، عام 2009، أن وصف الأسد بعض الزعماء العرب بـ"أشباه الرجال". ومن ثمَّ، كان الانتقام من الأسد، بالنسبة لهم، تصفيةً لحسابات قديمة لا ترتبط بحرمة دماء الشعب السوري والغيرة عليه جرّاء بطش آلة القمع الإجرامية للنظام.
إذا كان نظام الأسد غير مؤهّل لعضوية الجامعة بسبب سجله الإجرامي، فإن هذا حكم ينسحب على جلّ أنظمة العرب
ما الذي تغير في طبيعة كُنْهِ النظام السوري وإجرامه بحق شعبه اليوم حتى تتحرّك بعض العواصم العربية بحماس منقطع النظير لـ"إعادة تأهيله" والعمل على إعادة عضويته في جامعة الدول العربية؟ هل انفطمت دمشق تحت حكم نظام الأسد عن الثدي الإيراني؟ أوَلم تُدن تحقيقاتٌ دولية وعربية ذلك النظام بنشر المخدّرات في المنطقة ككل؟ أجوبة هذه الأسئلة وغيرها معروفة معلومة للجميع، بل ويمكن الجزم أن النظام السوري أكثر إجراماً ودموية وخطورةً على استقرار المنطقة والأمن القومي العربي الجَمعِيِّ من الأمس. سورية الآن، عملياً، خاضعة، إلى حد كبير، لوصاية إيرانية بالإضافة إلى الروسية، فضلاً عن النفوذ الكبير للمليشيات الطائفية والإجرامية فيها.
من ثمَّ، ما يجري من تقارب بين بعض العواصم العربية مع دمشق والحديث عن إعادة سورية إلى جامعة الدول العربية لا يغدو أن يكون أكثر من إعادة نظامٍ مجرم إلى نادٍ يضم آخرين مثله، ولكنهم كانوا، وربما لا يزالون، يقفون على طرفي نقيضٍ في بعض القضايا. هذا لا يعني أن المواقف المتنافرة في الأمس قد تمَّ ردمها أو تجسيرها أو تقليصها. لا. ولكن الأمر تعبيرٌ عن توافق بينهم على الهدف الأكبر المشترك، ألا وهو شفط أوكسجين الثورة من رئة الشعوب العربية، وقد نجحوا في ذلك. وكلنا يعلم، أن أنظمة عربية كثيرة لم تدخل داعمة للثورة والشعب السوري، بل هي مارست تمزيقاً لتلك الثورة وقواها، وتشتيتا للمعارضة السورية فوق تشتيتها، وحوّلت بعض فصائلها وتياراتها إلى أدواتٍ تخدم أجنداتها التخريبية في المنطقة على حساب طموحات وآمال الشعب السوري، والشعوب العربية كذلك.
لا تستفزّني مسارعة بعض العواصم العربية لتبادل السفراء مع دمشق ولا حتى استعادة سورية عضويتها في الجامعة العربية. وإذا كان نظام الأسد غير مؤهّل لعضوية الجامعة بسبب سجله الإجرامي، فإن هذا حكم ينسحب على جلّ أنظمة العرب. وفي المحصّلة، هي تذكرة لنا، نحن الشعوب العربية، أن النظام الرسمي العربي، بمجمله، فاسدٌ، ينبغي اجتثاثه من جذوره، وإلا فإننا سنبقى ضحايا القمع والاستبداد، ورهائن التخلف والاستعباد.