نصائح انقلابية للديمقراطية الأميركية

17 يناير 2021

(محمد البرادعي ومصطفى بكري ومصطفى حجازي)

+ الخط -

أعرب المعارض المصري، محمد البرادعي، عن حزنه الشديد، بسبب ما سمّاه "رهان العرب على الحصان الخاسر"، في إشارة إلى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مضيفا أن الأخير "تلاعب بنا وبقضايانا قبل أن يسيء إلى بلده وشعبه". كما أعرب عن شعوره بالرعب من تحكّم رئيس، مثل ترامب، بالترسانة النووية لبلاده، بعد اقتحام أنصاره مبنى الكونغرس في العاصمة واشنطن، وهي تحليلاتٌ صائبة ولا غبار عليها، لكن البرادعي، مع الأسف، لم يعترف حتى الآن بأنه هو نفسه من دخل أكبر رهانٍ خاسرٍ في حياته، وفي تاريخ مصر المعاصر، عندما تحالف مع قوى الثورة المضادّة، ووافق على أن يكون جزءا من مشهد "3 يوليو" في العام 2013 الذي أعاد مصر عشرات (وربما مئات) السنوات إلى الوراء، وجعلها نموذجا للحكم الشمولي الديكتاتوري الذي ينتقد البرادعي بعض مظاهره المخففة للغاية في الولايات المتحدة.

ارتضى البرادعي، بعد مشهد "3 يوليو"، بمنصب شرفي، لا صلاحيات حقيقية له، نائب رئيس الجمهورية، وكانت مهمته تتلخص في تلميع الانقلاب وتسويقه دوليا، بعدما قاد جهودا عديدة قبل ذلك لإقناع الغرب بضرورة إطاحة الرئيس الراحل محمد مرسي، وفقا لاعترافه شخصيا في حواره مع صحيفة نيويورك تايمز الأميركية بعد أيام من الانقلاب. ولم يكن وجوده فارقا في الجرائم والمذابح التي ارتكبت عندما كان في منصبه، بدءا من مذبحتي الحرس الجمهوري الأولى والثانية، مرورا بمذابح المنصة وبين السرايات والمنيل ورمسيس الأولى والمنصورة وسيدي جابر، وغيرها عشرات في محافظات مصر المختلفة، وعندما حاول أخيرا أن يتخذ موقفا من الأحداث، كانت مذبحة فض اعتصامي رابعة والنهضة، ليقدم استقالته، ويغادر مصر بلا عودة. 

حريٌّ بالبرادعي أن يقدّم قراءة مغايرة ومراجعة لمواقفه، بعد أكثر من سبع سنوات، احتراما لتاريخه واحتراما للشعب المصري الذي ساهم البرادعي في القضاء على ثورته وحريته وتجربته

حريٌّ بالبرادعي أن يقدّم قراءة مغايرة ومراجعة لمواقفه، بعد أكثر من سبع سنوات، احتراما لتاريخه واحتراما للشعب المصري الذي ساهم البرادعي في القضاء على ثورته وحريته وتجربته الديمقراطية، فهذا الشعب يستحق أن يعرف حقيقة ما حدث بالضبط، وهو واجبٌ عليه تجاه الأجيال. هذا هو المطلوب من البرادعي، وليس أن يتحفنا بآرائه الديمقراطية التقدمية تجاه ما يحدث في الولايات المتحدة، فللديمقراطية الأميركية مؤسسات تحميها، وتعاقب من يتجرأ على المساس بها، فيما يحتاج المصريون إلى ما هو أكثر من ذلك بكثير ممن ساهموا في وصول مصر إلى ذلك الدرك.

سياسي آخر، لكنه انقلابي حتى النخاع، هو مصطفى حجازي، الذي عيّن مستشارا سياسيا للرئيس (المعيّن هو الآخر!)، عدلي منصور، ولم يقدّم شيئا يذكر، ما عدا دفاعه المستميت في أحد المؤتمرات الصحافية، باللغة الإنكليزية، عن مذبحة الفض. ما عدا ذلك طواه النسيان مثل غيره، ليفاجئنا أخيرا بمنشور عن "الديكتاتور ترامب" وأمراض السلطة التي أصابته، "من عصف بالمنطق، ومحاولات عبث بالقانون وتسييس للعدالة، وتسميم المجتمعات بالخوف المرضى وبارانويا المؤامرات، وإصرار على مصادرة الوعي لصالح رواية سلطة"، وأذكّر القارئ بأن حجازي يتحدث عن ترامب، وليس عن أي شخص آخر لا سمح الله.

كان أنصار مرسي يعترضون على انقلاب عسكري قضى على الديمقراطية، أما أنصار ترامب فهم الذين كانوا يحاولون تنفيذ الانقلاب

بشّرنا مصطفى حجازي في منشوره بعد ذلك، أن "الديمقراطية وبذات مؤسساتها وقيمها تتعافى وتطرد الخبث بشعب حرٍ واعٍ، حتى وإن أخطأ في الاختيار حيناً". وهنا لا يتمالك القارئ إلا أن يضرب كفّا بكف، أو يغرق في موجةٍ من الضحك، أيهما أنسب، لأن كاتب هذا الكلام الذي يمدح الشعب الأميركي، وإن أخطأ في الاختيار مرة، لم يكن بهذا التسامح مع الشعب المصري الذي اختار رئيسا مدنيا في الانتخابات الحرة والنزيهة الوحيدة في تاريخ مصر، واتفق هذا الكاتب مع آخرين على ضرورة إطاحة هذا الرئيس، لا لسببٍ، إلا لأنه وأمثاله رأوا أن الشعب المصري "أخطأ في الاختيار". وحتى لو صدّقنا على كلامهم هذا، ألم يكن يستحق هذا الشعب أن يعامل مثلما يعامل هؤلاء الشعب الأميركي الآن؟ ألم يكن يستحق "فرصة ثانية" لتصحيح ذلك "الخطأ" الذي يزعمون أنه ارتكبه؟ مع الأسف، لم يكن هذا هو الحال، وسحقت إرادة الشعب المصري ولم يسمح له بالاختيار مرة ثانية، مثلما أتيح للشعب الأميركي أن يختار آلاف المرات. واختتم حجازي منشوره بشعارات مدرسية، من قبيل "الديمقراطية وسيلة غايتها الحكم الرشيد" و"الديمقراطية مسار وجهته الحرية ومآله العدل"، وهي شعارات تافهة لأنها لم تجد محلا من التنفيذ عندما كان حجازي وزمرته مسؤولين عن تطبيقها.

وجد انقلابيون آخرون في ما يحدث في أميركا وسيلة للشماتة في الديمقراطية برمتها، ونشروا عدة كتابات بائسة ومضحكة في الوقت نفسه، تقارن بين أنصار ترامب وأنصار مرسي، على الرغم من الاختلاف الصارخ بين الحالتين، إذ كان أنصار مرسي يعترضون على انقلاب عسكري قضى على الديمقراطية، أما أنصار ترامب فهم الذين كانوا يحاولون تنفيذ الانقلاب. بينما تقمّص آخرون دور المدافع عن حقوق الإنسان، مندّدين بوقف حساب ترامب، واعتقال أنصاره الذين اقتحموا الكونغرس، قائلين إن الولايات المتحدة "تقمع" حقوق الإنسان وحرية التعبير.

كتابات يؤيد أصحابها أكثر الأنظمة الديكتاتورية والوحشية، إلا أنهم أبوا إلا أن يشاركوا بمناكفاتٍ صبيانيةٍ تظهر ضحالتهم

وأكد أحدهم، هو مصطفى بكري، أن "الفوضى قادمة" في أميركا، وأن البلاد تمضي نحو التفكك، مبديا سعادته الكبيرة بذلك، وهو تصريحٌ يمكن أن يورّطه ويورّط النظام الذي يؤيده في مشكلات كبيرة إذا ترجم ووصل إلى المسؤولين الأميركيين. ومن دون أن ينسى بكري بالطبع مهاجمة الربيع العربي، مشبها إياه بما يحدث في أميركا، واصفا إياه بأنه "الربيع العبري"، وهو وصفٌ مضحكٌ لواحد من مؤيدي النظام الأكثر صداقةً مع إسرائيل في تاريخ مصر الحديث.

ويبدو أن بكري قد أصيب وقتها بحالة من الهذيان، إذ كتب تغريدات متناقضة بشكل كبير على مدار يومين، فهو تارّة يؤيد أنصار ترامب ويطالب بالسماح لهم بالتعبير عن رأيهم، وينتقد "قمعهم" على حد قوله. وتارة أخرى يقول إن ما يحدث في أميركا هو سيناريو الثورات العربية نفسه، والتي يعتبرها مؤامرة، أي أن أنصار ترامب في هذه الحالة متآمرون ومموّلون من الخارج وليسوا متظاهرين عاديين. وتارة ثالثة يقول إن مشهد اقتحام الكونغرس يذكّره بمشهد اقتحام أقسام الشرطة والسجون في أثناء ثورة يناير في مصر، متهما الإدارة الأميركية بالتورّط في تلك الأحداث! كما كتب إن مشهد إنزال العلم الأميركي من فوق مبنى الكونغرس يذكّره بمشهد إنزال العلم العراقي وهدم تمثال صدام حسين خلال الغزو الأميركي للعراق. وأخيرا، أبدى شماتته في ترامب نفسه، الذي كان يؤيده بشدة، واصفا إياه بأنه "ثور هائج"، وتوعده بالخضوع للمحاكمة على يد خصومه الذين كان يكيل لهم الشتائم قبلها بلحظات! 

الطريف في كل تلك الكتابات أن أصحابها يؤيدون أكثر الأنظمة الديكتاتورية والوحشية في العالم، إلا أنهم أبوا إلا أن يشاركوا بمناكفاتٍ صبيانيةٍ تظهر ضحالتهم.

D90F1793-D016-4B7E-BED2-DFF867B73856
أسامة الرشيدي

صحفي وكاتب مصري، شارك في إنجاز أفلام وحلقات وثائقية عن قضايا مصرية وعربية، وكتب دراسات ومقالات نشرت في مجلات ومواقع إلكترونية.