ندوة "سورية إلى أين".. ضياع البوصلة

16 فبراير 2022

رياض حجاب يلقي كلمته في افتتاح ندوة "سورية إلى أين؟" في الدوحة (5/2/2022/العربي الجديد)

+ الخط -

مرّت ندوة "سورية إلى أين" في الدوحة، يومي الخامس والسادس من شهر فبراير/ شباط الجاري، من دون أن تثير نقاشاتٍ وردود أفعال سياسية وإعلامية واسعة، وبمستوى الأهداف التي أعلنتها اللجنة المنظمة: تقييم الوضع السوري، إيجاد آليات تعمل على تخفيف معاناة الشعب السوري، النهوض بأداء المعارضة، مناقشة آليات إخراج عملية الانتقال السياسي من حالة الاحتباس الذي تعانيه. حتى التغطية الإعلامية لجلساتها ومناقشاتها لم تكن في مستوى لائق، حيث جاءت عامة ومبتسرة وفي وسائل إعلام محدودة.

لم يكن وضع الملف السوري يستدعي عقد ندوة تناقش الموقف في سورية وسبل الخروج من حالة الاستعصاء القائمة، فالملف السوري ليس موضوعاً على نار ساخنة، إنّه على الضدّ من ذلك في ثلاجة. هذا ما عكسه الاتفاق الأميركي الروسي على تقليص عدد الجلسات المخصّصة لمناقشة الملف السوري في مجلس الأمن، وليس ثمّة عرض داهم لمخرج واعد يحظى بفرص نجاح، كي تعقد ندوة للمعارضة تقول كلمتها وتبعث رسالةً لملاقاة تحرك كهذا، وتدفع بشروطها ومطالبها للتأثير في مجرياته، عبر تحديد المطالب والخطوط الأساسية للحل أو المخرج المقبول. اقتراح المبعوث الأممي، غير بيدرسون، للسير في الحل على أساس خطوة مقابل خطوة، والذي سبق أن طرحته عمّان، لم يحظ بالقبول لا سورياً ولا إقليمياً ولا دولياً. وقد زاد الموقف إرباكاً أنّ تعليقات معارضين مشاركين في الندوة عكست غياب اتفاق عام حول هدف الندوة، فقد جاءت التعليقات متباينة إلى درجة كبيرة. إنّها منتدى للحوار، ومؤسسات اتخاذ القرار المعارضة ستعمل بعد ذلك على دراسة مقترحات مراكز الأبحاث وتوصياتها، وتنفيذ "ما تراه مناسبًا لها" من خلال سياستها العامة، وفق رئيس هيئة التفاوض، أنس العبدة. وعصف ذهني لتوحيد الجهود وتوحيد المعارضة لتشكّل بديلاً ديمقراطياً للنظام، وفق المنسق العام لهيئة التنسيق الوطنية للتغيير الديمقراطي، حسن عبد العظيم. ولقاء لـ "التفكير الجماعي" ليس أكثر، في ظل الاستعصاء الذي يعانيه الملف السوري اليوم، من أجل التعاطي والتعامل مع الظرف الحالي، لتوليد أفكار قد "تُلهم" مؤسسات المعارضة للعمل بها، وفق عضو الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، زكريا ملاحفجي. وإعادة هيكلة جذرية للمعارضة، يقصد الائتلاف، من زاوية تنظيمية وزاوية سياسية، وإعادة النظر في تشكيل هيئة التفاوض، وفق مدير المركز السوري للدراسات الاستراتيجية، وعضو الأمانة العامة في الهيئة الوطنية السورية، القاضي حسين حمادة.

لم تقف المفارقة عند غياب تفاهم بشأن طبيعة الندوة وهدفها من أجل تركيز الجهد عليه للخروج برؤية موحدة، بل امتدّت إلى تقدير الذات والدور في المشهد السياسي الراهن وتوازن القوى على أرض الواقع، فقد تضمنت كلمة صاحب فكرة الندوة، رياض حجاب، في افتتاح الندوة مبالغة صادمة بقوله "إن قوى الثورة السورية هي رقم صعب في المشهد الإقليمي والدولي". قول لا يمتّ للواقع بصلة، فقوى الثورة الفعلية سُحقت تحت وابل الرصاص والقنابل والقتل تحت التعذيب والإخفاء القسري؛ وما بقي مُزق وشتات ضعيف ليس له وزن يمنحه دوراً فاعلاً؛ ومؤسّسات المعارضة القائمة غدت ألعوبة بأيدي حلفائها وورقة للاستخدام في المقايضات والمساومات الإقليمية والدولية. وهو ما أكّده حجاب، بطريقة غير مباشرة، في قوله في كلمته "تفكيك العقدة السورية يبدأ من مواجهة مشروع التوسع الإيراني في المنطقة". في حين يقول الواقع إنّ الدور الروسي، وليس الإيراني، على عدوانيته وأهدافه الخبيثة، هو المتحكّم بالعمليتين العسكرية والسياسية على خلفية رفض روسيا حصول تغيير ديمقراطي في سورية؛ وقول حجاب يشي بوجود مانعٍ للصدع بهذه الحقيقة، لأنّها لا تتفق مع موقف دول ترعى حجاب وأخرى يسعى لاسترضائها.

الملف السوري ليس موضوعاً على نار ساخنة، إنّه على الضدّ من ذلك في ثلاجة

لم يكتفِ حجاب بتضخيم أهمية المعارضة ومكانتها بل ذهب بعيداً، حين قال: "إنّ المعارضة أشد إصراراً من أيّ وقت مضى على تحقيق المطالب المحقة والعادلة لشعبنا، وتعزيز هويتنا الوطنية الجامعة، والتوصل إلى عملية انتقالية لا مكان فيها لبشار الأسد ونظامه". وهذا لا يتسق مع دعوته، في الكلمة ذاتها، إلى التحلي بالمسؤولية لإعلاء المصلحة الوطنية ورصّ الصفوف وجمع الكلمة، وتدشين مرحلة جديدة ينتزع فيها السوريون كل حقوقهم المشروعة، ومطالبته المعارضة بـ "تجديد العهد للسوريين بأن نجعل قضيتهم بوصلتنا"، فهذه أقوال تؤشر إلى حالة المعارضة البائسة وانزياحها عن الممارسة الصحيحة؛ ما يعني أنّ حديثه عن إصرارها ليس أكثر من كلام إنشائي وتهويل. وقد بالغ في إنكار التغييرات على مسرح الصراع بقوله: "إنّ داعمي بشار الأسد يخوضون معركة دبلوماسية يائسة لإعادة تعويم نظام فقد شرعيته" فداعمو بشار سجلوا نقاطاً لصالحه على أكثر من صعيد، ومعركتهم ليست يائسة، بل تشير إلى احتمالات خطيرة يجب التحسّب لها.

وقد جاءت التوصيات التي خرجت بها الندوة (17 توصية) لتكمل حالة ضياع البوصلة التي تعيشها المعارضة السورية، بعدما كشف انفجار ثورة الحرية والكرامة ضعفها وعدم أهليتها لمواجهة تبعات عملية تغيير كانت تدعو إليها. بشّر بيان المنظمين بصدور توصيات "تسهم في تقديم رؤية شاملة لعمل المعارضة بهدف الخروج من الأزمات السياسية والإنسانية والاقتصادية التي يعاني منها السوريون". توصيات تسهم في (...) بهدف الخروج من الأزمات السياسية والإنسانية والاقتصادية التي يعاني منها السوريون، في حين أنّ واقع الحال يقول إنّ المعارضة بحاجة إلى النجاح في الخروج من المستنقع الذي غاصت فيه، كي تكون قادرة على التحرّك لخدمة أهداف الشعب السوري في الحرية والكرامة. وهذا هو أسّ المشكلة التي تستدعي التركيز عليها وإنجازها قبل التحدّث عن رؤى وخطط وبرامج.

ما تعتبره التوصيات مناطق سيطرة قوى الثورة والمعارضة هي مناطق تسيطر عليها تركيا وتستخدم فصائل سورية مسلحة لحراستها

من التوصيات "تبنّي خطة عمل شاملة تواكب تحوُّلات المرحلة وتعالج التحدّيات الناتجة عنها، وتقدّم الحلول الناجعة للتخفيف من معاناة السوريين"، و "توحيد الجهود لتحقيق الانتقال السياسي وفق القرارات الأممية". مهمات لا تتناسب مع واقع المعارضة، أكبر من قدراتها فيما لو كانت تفكّر في تحقيقها أصلاً. وتحدثت، التوصيات، عن "ضرورة تكثيف الجهود المبذولة لتنمية مناطق سيطرة قُوَى الثورة والمعارضة". وهو قولٌ مستغرب، أين هي مناطق سيطرة قوى الثورة والمعارضة (؟!)، إنّ ما تعتبره التوصيات مناطق سيطرة قوى الثورة والمعارضة هي مناطق تسيطر عليها تركيا وتستخدم فصائل سورية مسلحة لحراستها تحقيقا لأهدافها هي، فصائل لا تملك قرارها ولا التصرّف بأبسط شؤونها في ضوء أنها تتقاضى رواتب عناصرها وتسليحها من تركيا، من دون أن ننسى انتشار قوات تركية مباشر في معظمها.

كانت وسائل إعلام قد روّجت أنّ توصيات غير معلنة ستطرحها اللجنة المنظمة على مؤسسات المعارضة، ما يثير أسئلة عن مدى صحة هذه الرواية؛ وهل هي حقيقية أم أنها (الرواية) جاءت لتغطية هزال نتائج الندوة. كما كان لافتا قول وسيلة إعلام إن من أهداف الندوة التأكيد على أن المعارضة لا زالت تحظى بدعم من أطراف إقليمية ودولية، في حين أنّ الواقع يقول إنّ دولاً تستخدم المعارضة في صراعاتها مع خصومها ومنافسيها. وجاءت المشاركة الأميركية في سياق معركة عضّ أصابع محتدمة مع روسيا، ما دفعها إلى استخدام الندوة منصّة لإرسال رسالة إلى روسيا تقول إنها قادرة على عرقلة تحرّكها في الملف السوري عبر دعم المعارضة السورية وتفعيلها. وقالت، في سياق حديثها، عن أهداف الندوة، بالاستناد إلى مصادر لم تسمّها، إنّ لها هدفين، الأول متعلق بإيجاد آلية للضغط ومحاسبة المعارضة السياسية (الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية) لتصحيح المسار، وهو ما يتضح من خلال التوافق على انعقاد دوري للندوة كل نصف عام". والثاني أنّ "حجاب أراد أن يؤكد أنّه لا يزال الرقم الأصعب في المعارضة، وأنه القادر على جمع كلّ أطياف المعارضة السورية". واستطردت، المصادر، أنّ "هذا ما حصل فعلاً، فقد حظيت الندوة بمشاركة كثيفة (؟!) من جهات مختلفة، وكذلك حظيت باهتمام إعلامي ضخم". ما ورد في الهدف الثاني فيه كثير من المبالغة، فالسيد رياض حجاب لا يمتلك حيثية حقيقية تؤهله للعب دور مميز في المعارضة .. لذا من غير المنطقي توقع أن تُخرج الندوة الزير من البير، وتكون رافعة لانطلاقة جديدة لقوى المعارضة تكفّر فيها عن ذنوبها بحق الشعب السوري عموماً، وحواضن الثورة خصوصاً.