نحن و"داعش" والغبي المتغابي

22 نوفمبر 2015
+ الخط -
وحده الغبي أو المتغابي، بالتالي الخبيث، في بلاد العرب، قادر على إيجاد مبررات فهلوية لوحشيةٍ حيوانيةٍ تمارس فعلها بنرجسية مطلقة، مثل جرائم تنظيم داعش وأخوته. وحده الغبي أو المتغابي، أيضاً بخبث، هو الذي يظنّ أن الحديث عن فرنسا "قاتلة المليون جزائري" مثلاً، أو "أميركا ربيبة إسرائيل" قد يعني شيئاً غير المزيد من إلحاق الأضرار بنا كعرب في بلادنا أو في الغرب، وبقضايانا وبأناسنا. ولأن المسافة بين التبرير والشرح، شَعرة، تقع تغريدات ومقالات عربية بالجُملة، منذ جريمة باريس في 13 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، في محظور ما ترغب في تصويره على أنه شرح بريء للجريمة، بينما هو في الواقع تبرير بشع، عن قصد أو عن خبل أو عن سوء نية، لما نعاني منه، نحن قبل غيرنا، كجرائم قروسطية. أصلاً، كثيرون عندنا يستكثرون تسمية ما حصل جريمة أو إرهاباً، بل ينحون نحو مصطلحات غير آدمية، مثل "حادثة"، تماماً كالإهانة اليومية التي تمتلئ بها صفحات ميديا العرب باستخدام مصطلح "الأزمة السورية"، وكأن الأمر برمته أزمة دستورية أو كارثة طبيعية أو سجال قانوني على تفسير صلاحيات المؤسسات في بلاد البعث، لا إبادة منظمة تشترك فيها أمم بأسرها ضد الفئة الأوسع من الشعب السوري.
تكشف نظرة سريعة لحجم الدمار الارتدادي اللاحق بشعوب العرب وقضاياهم ومهاجريهم نتيجة تنظيم داعش وأمثاله وجرائمه، أنّ عدم اتخاذ موقف جذري من دون "ولكن" إزاء هذه الظواهر التي تتفوق، في كل مرة، على ما سبقها من تنظيمات باسم "الجهاد" و"الخلافة"، وأننا نحن، العرب، نقف كالخاسر الأكبر على جميع الصعد. بدءاً من النتيجة الأكثر مباشرة، أي ارتفاع وتيرة العنصرية القديمة في بلاد الغرب والعرب على حد سواء، والإسلاموفوبيا، يُطرح التساؤل البديهي: لماذا نستغرب أن تميل الشريحة "المتوسطة" أو "العادية" من الرأي العام الغربي، أمام ظواهر لا نفعل ما يكفي لمكافحة ادعائها تمثيل الإسلام والعرب، كالقاعدة وداعش. لماذا نستغرب أن تميل تلك الشريحة نحو النظرات النمطية ووضع العرب والمسلمين في قالب واحد ستيريوتيبي مزنَّراً بحزام ناسف، يتربّص بالمدنيين، ليذبحهم إن لم يكونوا قادرين على تلاوة آيات قرآنية، مثلما فعل مهاجمو فندق مالي قبل يومين؟ وهل المطلوب من العامل الهولندي أو المزارع البريطاني أو الموظف فئة ثالثة في بولندا، وحتى لو لم يكن أياً من هؤلاء يهودياً، أن يتمتع بشعور عربي بالفطرة، أو أن يجري في دمه، هكذا، بالفطرة، وعي سياسي فلسطيني ليفهم أن تنظيم داعش يقتل من العرب والمسلمين أكثر بكثير مما يقتل من الأوروبيين وغير المسلمين عموماً؟ لماذا نتعجّب كيف تقلّ أعداد المتعاطفين في أوروبا مع القضية الفلسطينية في كل مرة يفجر مهووس بالدم نفسه وسط مدنيين أوروبيين أو أميركيين في برج تجاري؟ هل فعلنا حقاً واجبنا، في تفكيك العلاقة العضوية بين الاستبداد والثورات المضادة على موجة انتفاضات العرب في 2011 من جهة، وعودة شباب الإرهاب في العام العربي الأسوأ 2013؟
الحديث عن فرنسا قاتلة الجزائريين في معرض التعليق على جريمة باريس، مجرد تبرير دموي للقتل، فالفرنسيون والأجانب الـ130 الذين قتلوا على يد ملثمي السوء ليسوا هم أصحاب القرار الفرنسي زمن ما قبل استقلال الجزائر. استذكار إبادة المهاجرين إلى أميركا الشعب الأصلي الذي نسميه، في معرض عنصريتنا غير المقصودة ربما، "هنوداً حمراً"، ليس سوى فعل انتحاري غبي أيضاً لعلم قائليه أننا في عام 2015، وأنّ لا علاقة لجيل مؤسسي الاتحاد الأميركي على أنقاض حضارات أبيدت بالفعل، بمواطنين أميركيين، منهم من هو صهيوني، ومنهم من هو عروبي أكثر من عرب كثيرين.