نحن وأوكرانيا في عام حربها الأول
مع حلول الذكرى الأولى للغزو الروسي لأوكرانيا، ما تزال تداعيات الحرب التي باغتت الجميع، إلا واشنطن التي حدّدت تقريبا ساعة نشوبها، تضرب في كل مكان. أزمات كبرى تسبّبت بها أول حرب أوروبية منذ عام 1945، وطاولت العالم كله تقريبا في مجالات الطاقة والغذاء وارتفاع معدّلات التضخّم، والتي أدّت بدروها إلى رفع أسعار الفائدة، ما وضع أعباء إضافية على الدول ذات المديونيات العالية. في منطقتنا العربية، وقعت دول، مثل مصر وتونس ولبنان وغيرها من الدول المستوردة للطاقة أو الغذاء أو كليهما معا، تحت ضغوط شديدة نتج عنها تدهور قيمة عملاتها المحلية، وانفلات الأسعار وزيادة أعباء خدمة الدين العام (ستعادل خدمة دين مصر في السنوات الثلاث المقبلة قيمته حاليا، أي نحو 150 مليار دولار تقريبا). وبسبب ذلك، تتزايد احتمالات وقوع موجة احتجاجات كبرى ثالثة بعد موجتي 2011 و2019.
وفيما همّشت حرب أوكرانيا أزمة سورية ودفعتها إلى ذيل قائمة الاهتمامات الإقليمية والدولية، استعادت منطقة الخليج العربي أهميتها مصدرا رئيسا للطاقة لدول الغرب (خصوصا أوروبا) بعد أن عكست هذه سياستها الطاقية التي تبنّتها بعد نهاية الحرب الباردة، وقوامها تقليص اعتمادها على دول الخليج العربية، وزيادة اعتمادها على روسيا عبر تمويل وإنشاء مشاريع نقل الغاز والنفط منها إلى دول الاتحاد الأوروبي. فوق ذلك، تضاعفت الموارد المالية للدول العربية المنتجة للطاقة نتيجة ارتفاع أسعارها وحقّق بعضها فوائض مالية لأول مرة منذ انهيار أسعار النفط والغاز عام 2014.
ولكن من جهة أخرى، كشفت حرب أوكرانيا عن توتّر مكتوم في علاقات بعض دول الخليج العربية بالولايات المتحدة، وعن توجّه هذه الدول نحو تنويع شراكاتها الدولية، وقد برز ذلك خصوصا في الصعوبات التي واجهتها واشنطن لدفع حلفائها إلى الوقوف خلفها، فقد امتنعت الإمارات، العضو العربي الوحيد في مجلس الأمن (2022-2023) عن التصويت على مشروع قرار تقدّمت به الولايات المتحدة وألبانيا لإدانة غزو روسيا أوكرانيا. أما السعودية فقد قاومت ضغوطا أميركية لزيادة إنتاج النفط في محاولة لخفض الأسعار والحد من مداخيل روسيا النفطية، والتأثير بالتالي في مجهودها الحربي، ولم تنجح زيارة قام بها الرئيس بايدن إلى الرياض في يوليو/ تموز 2022 لرأب الصدع في العلاقات معها في تغيير الموقف.
وكان لحرب أوكرانيا تداعيات كبرى على وضع إيران الإقليمي وعلاقاتها الدولية أيضًا، إذ انهارت فرص إحياء اتفاقها النووي، وتعقدت علاقاتها مع دول الغرب نتيجة اصطفافها كليا إلى جانب روسيا في حرب أوكرانيا، بعد أن كانت قد اتخذت موقفا أكثر حذرا في البداية، عندما امتنعت عن التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 2 مارس/ آذار 2022، الذي "يدين بأشد العبارات العدوان الروسي على أوكرانيا". وكانت إيران أبدت استياءها من ربط روسيا موافقتها على إحياء الاتفاق النووي، بعد التوصل إلى مسودة بشأنه في 11 مارس/ آذار 2022، بإعفاء تجارتها مع إيران من العقوبات الغربية. وقد حاولت إيران نفسها استغلال حرب أوكرانيا وأزمة الطاقة التي تسبّبت بها لتعزيز موقفها التفاوضي مع الغرب، لكن هذا لم ينجح. وعليه، أخذ الموقف الإيراني يتغيّر جذريا اعتبارا من أغسطس/ آب 2022، عندما حُسم النقاش داخل دوائر النظام الإيراني لصالح دعم روسيا، باعتبار أن هزيمتها في أوكرانيا سوف تُضعف موقف إيران الإقليمي والدولي، بعد فشل المفاوضات لتحسين العلاقة مع الغرب. وعليه، بدأ تزويد روسيا بطائرات درونز، ما دفع أوروبا إلى اعتبار إيران شريكا في "عدوانٍ" يقع على أراضيها.
وقد أدى ذلك إلى زيادة الرقابة على أنشطة إيران الإقليمية، فأعلنت البحرية الأميركية عن وقف شحنات أسلحة إيرانية متجهة إلى اليمن خلال الستة أشهر الماضية أكثر مما أعلنت عنه خلال السنوات السبع التي سبقتها منذ بداية حرب اليمن. وتدرُس واشنطن حاليا إمكانية تقديم الأسلحة الإيرانية المصادرة لأوكرانيا لاستخدامها في الحرب ضد روسيا. فوق ذلك، زادت الرقابة الأميركية على تدفق الدولار من العراق إلى إيران وحلفائها في المنطقة، وهو أمرٌ كان يجري تحت نظر الأميركيين ومسامعهم منذ عام 2014، ما أدّى إلى مزيد من التضييق على إيران وحلفائها في المنطقة. هذه بعض آثار حرب أوكرانيا في عامها الأول، فكيف سيكون عليه الحال إذا استمرّت عاما آخر؟