نادية مراد.. عن "نوبل" والحق

07 أكتوبر 2018

نادية مراد فائزة بجائزة نوبل في أوسلو (5/10/2018/فرانس برس)

+ الخط -
ربما يجدر بالمرء، مع التهنئة، أن يجدّد مواساته للناشطة اليزيدية العراقية، نادية مراد، بعد فوزها بجائزة نوبل للسلام مناصفة مع الطبيب الكونغولي، دينيس ماكويغي، فما تعرّضت له هذه الشابة من ظلم وألم في السبي، وهو العبودية والاغتصاب المشرعن عند الفكر الأصولي المتشدّد، كان مروّعا. حجم مأساتها ومأساة اليزيديين، وغيرهم من كل الجماعات العراقية، كبير، فقد كان ثمن صعود تنظيم الدولة الإسلامية هائلا ومدمرا في الأرض التي احتلّها، ولكن ظهور الخلافات بسرعة بين العراقيين بشأن حصول نادية على جائزة نوبل يستحق التوقف والتحليل.
كان الترحيب، في العموم، كبيرا، ومستبشرا بحصول عراقية على الجائزة العالمية الرفيعة للمرة الأولى، لكن عامل الصراع بين الشرق والغرب أطل برأسه، فقد جاءت ردود فعلٍ تنتقد منح الجائزة لنادية بشدة، بسبب الموقف من الغرب. لاحقت تلك القضية معظم الذين حصلوا على الجائزة من البلدان العربية والمسلمة، فهناك قطاعات واسعة تشكّك في كل ما قد يأتي من الغرب. قد يختلط التشكيك أحيانا بدوافع أخرى، مثل الصراعات الداخلية على جميع المستويات.
بموازاة ذلك التشكيك، ارتفع جدل آخر يذكّر بالشخص العراقي المسلم الذي يقول تقرير صحافي إنه أنقذ نادية مراد من الأسر، ثم أوصلها إلى مأمنها، ومنه إلى الانطلاقة التي أخذتها إلى العالم الواسع. فضل إنقاذ نادية، أو أي ضحية في موقفها، كبير، يشمل كل الإنسانية، وهو أكبر من أي جائزة. ولكن لا بد هنا من الإشارة إلى أن الجائزة لم تمنح لنادية، بسبب هروبها من قبضة تنظيم داعش، بل بسبب نشاطها وجهودها التي جعلت منها رمزا للنضال ضد قضية العنف الجنسي ضد المرأة في مناطق الصراع المسلح. وهذا هو الرابط المشترك بينها وبين الطبيب الكونغولي، دينيس ماكويغي، الذي عمل في العشرين سنة الماضية على معالجة النساء اللواتي تعرّضن للاغتصاب في أفريقيا. وفي الكونغو، بلد ماكويغي، وغيرها، يستخدم الاغتصاب سلاحا قذرا في الصراعات المسلحة، وغالبا ما يرتبط بتشويهٍ للنساء وأجسادهن.
أما نادية، فربما لم يتشوه جسدها، مثل النساء اللواتي عالجهن ماكويغي، ولكن روحها
 وشخصيتها واجهت صدمةً هائلةً كأي امرأةٍ شرق أوسطية تخضع لمحنة السبي والاغتصاب. مع ذلك، جالت العالم وهي تروي قصتها بدون أي خوفٍ أو خجل، بل بإصرار على كشف قبح المأساة التي تعرّضت لها، هي وعائلتها وأبناء ديانتها. على الرغم من أن تنظيم داعش استهدف الجميع، بل إن أكثر مجموعة تعرّضت للدمار، بسبب وجوده، كانت العرب السنة التي يزعم الدفاع عنها، إلا أن مأساة اليزيديين كانت ذات صفة خاصة ومحدّدة، وهذه مسألة يفهمها العالم بطريقةٍ أوضح، ليس لأن هناك مؤامرة كونية ما، بل لأن القضية محدّدة، وتختص بجماعةٍ محدّدة صغيرة نسبيا. لذلك فهي تندرج بسرعة تحت بند الإبادة الجماعية، وهي جريمة محدّدة، ومعرّفة في القانون الدولي.
النقطة الأخرى التي أثارت السخط على نادية زيارتها إسرائيل، العام الماضي بعد تعيينها سفيرة للنيات الحسنة للأمم المتحدة. هنا يجب القول إن مأساة نادية واليزيديين لا يجب أن تعمينا عن مآسي الآخرين في هذا العالم. كما أن مأساة الهولوكوست (المحرقة اليهودية) التي ارتكبها النظام النازي في أوروبا في أثناء الحرب العالمية الثانية، وراح ضحيتها ملايين اليهود الأبرياء لا ينبغي أن تُعمي العين عن جرائم أخرى تقوم بها جماعات أخرى. عندما زارت نادية مراد إسرائيل طالبت الكنيست (البرلمان) هناك بالاعتراف بأن اليزيديين تعرّضوا للإبادة الجماعية. وفي الحقيقة، لا تتمتع إسرائيل بالنزاهة الأخلاقية من أجل أن تصدر أحكاما جوهرها مبادئ حقوق الإنسان. تحتل إسرائيل أرض شعب آخر هو الشعب الفلسطيني الذي يريد أن يقيم دولة قابلة للحياة، ولا يريد أن يدمر إسرائيل، فهو في موقف المتعرّض للظلم والمآسي باستمرار، ولكن قراره ورغبته هي في سلامٍ يحفظ حقه وكرامته الإنسانية، وإسرائيل تقف بوجه ذلك بكل آلتها العسكرية والعنفية، ومن غير رادع أخلاقي، ولا رغبة حقيقية بالسلام. في الحقيقة، يجدر بنادية مراد الآن، وبعد نيلها جائزة نوبل للسلام أن تعرف أن مكانتها وموقفها الأخلاقي أصبح في موقع رفيع، وأن عليها أن تستخدم ذلك من أجل الحق والمظلومين. ليست جائزة نوبل ميداليةً، بل مسؤولية وقوة أخلاقية، يجدر بها أن تقود صاحبها نحو العدل والحق له وللبشرية.
أما عن نادية والعراقيين، فربما سيكون عليها أن تؤكد على الرسالة التي أصدرتها في تصريحها الأول بعد إعلان منحها "نوبل"، حينما أهدت الجائزة للعراقيين جميعا. ننتظر أن نرى كيف سيتقاسم العراقيون اعتراف العالم بواحدةٍ من مآسيهم عن طريق منح جائزة نوبل لنادية مراد. وننتظر أن نرى كيف ستقوم نادية بدورها في معالجة جروح بلدها وأهلها، ولو بالكلمة والمثل. قبل ذلك عليها أن تتأكّد وتؤكّد على أن قيم الحق ورفض الظلم جوهرها واحد، ولا يجب أن يتم تجزئتها.
4B109260-05A6-4A15-9F69-C3DBE398FBE4
4B109260-05A6-4A15-9F69-C3DBE398FBE4
رافد جبوري

كاتب وصحفي عراقي، مراسل تلفزيون العربي في واشنطن، له مقالات وبحوث منشورة باللغتين العربية والانكليزية، ماجستير في التاريخ المعاصر والسياسة من جامعة لندن.

رافد جبوري