ميشيل كيلو خط أحمر

15 يوليو 2014

ميشيل كيلو في اجتماع وفد معارض مع لافروف (يوليو/2012/أ.ف.ب)

+ الخط -

نشر ميشيل كيلو (مع حفظ الألقاب للجميع، وبكل احترام)، في "العربي الجديد"، في يومين متتاليين (12 و13 يوليو/تموز)، مقالتين، تناول بهما الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية. كانت الأولى هادئة ورزينة، تحمل عنوان "خيارات هادي البحرة"، وفيها ميشيل كيلو الذي نعرفه، ونتخذه رمزاً للمعارضة السورية، وحجةً في وجوه الذين يزعمون أن الشعب السوري يفكر على نحو ديني أو مذهبي، (أو بشكل عام: إثني).

أما الثانية "ماذا جرى في انتخاب رئيس الائتلاف السوري؟"، فقد بدا فيها غاضباً، خارجاً عن طوره، يسجل سابقةً غريبةً في العمل السياسي، أو الوطني، تتلخصُ في "نشر غسيل" الهيئتين السياسيتين اللتين ينتمي إليهما، أعني الائتلاف والكتلة الديمقراطية، وإخراج مداولاتهما وأسرارهما إلى العلن، بـ(المشرمحي) وبـ(القلم العريض).

أنا أكثر الناس، وأكثر أعضاء الائتلاف قرباً من تفكير ميشيل كيلو، وحباً بشخصيته، وتأثراً بطريقته في التفكير والعمل، واستمتاعاً بحديثه الذي يصحبك في رحاب الذاكرة الوطنية السورية، ولدي، ما تزال، رغبة في أن أجلس معه ساعات طويلة، لكي أستغل ذاكرته في إعداد الجزء الثاني من كتابي "حكايات سورية لها علاقة بالاستبداد". ولكنني، مع ذلك، مختلف معه بشأن نقاط كثيرة، أثارها في مقالته الثانية.

أولاً- أستغرب انتقاد الأستاذ ميشيل كيلو الكتلة الديمقراطية الموجودة في الائتلاف، منذ سنة، لكونها لم تستطع أن تكون كتلة سياسية، وتحولت إلى (كتلة انتخابية).. سبب استغرابي أن هذه الكتلة، وكما هو معروف للجميع، من تأليف الأستاذ ميشيل كيلو، وتلحينه، وقيادته، وتوجيهه.

وأنا الذي قلت مخاطباً إياه وباقي الزملاء، في الاجتماع الطارئ الذي عقدناه بعد رسوب ريما فليحان وفايز سارة في انتخابات الهيئة السياسية قبل ثلاثة أشهر: هذا نتيجة منطقية لكونكم تعتبروننا أصواتاً في الانتخابات فقط، ثم، وبعد أن تنتهي الانتخابات، ويذهب كلٌّ منا في حال سبيله، تتمثلون قول بطل الفيلم المصري لحبيبته: "كل اللي بيننا انتهى- والحب كان أوهام"! يومها شاركني الرأيَ معظمُ الحاضرين. وبناء عليه، توجه (الشباب) إلى تشكيل الكتلة الحالية التي انسحب منها الأستاذ ميشيل، لسبب سآتي على ذكره بعد قليل.

ثانياً- وردت في المقالة عبارة أن زكريا الصقال (مقرب من الجربا)، والجميع يعرف أن الصقال (مقرب من كيلو)! فما الذي استجد في الموضوع؟

ثالثاً- السؤال الوارد في البند (ثانياً) يقودنا إلى القول إننا نحن، أعضاء الكتلة الديمقراطية المقربين من ميشيل كيلو، لم تكن لدينا فكرة واضحة عن شخصية أحمد الجربا قبل سنة، وقد أصبحنا مقربين منه، بناء على إقناع ميشيل كيلو لنا بأنه رجل جيد، وشهم، وديمقراطي التوجه، وسيشتغل في الائتلاف بطريقةٍ ترضينا بوصفنا ديمقراطيين، وتُرضي الشعب السوري الحبيب.

رابعاً- هنا أريد أن أنتقل إلى نقطةٍ أكثر إشكالية وحساسية من سابقتها، هي أن ميشيل كيلو، عندما وضع ثقته بالجربا، قبل سنة، ربما  يكون قد وضعها به نتيجة لحسابات بشرية خاطئة، ولكن الجربا، والكل يعلم، نجح في الانتخابات التالية، نتيجة دعم ميشيل كيلو التام له.

خامساً- إن ميشيل كيلو، من دون أدنى شك، لَرَجُلٌ ذو صدقية عالية لدى السوريين. من هنا، من غير الصائب أن يدلي بتصريحاتٍ غاضبةٍ، يستخدم فيها عبارات غير مدروسة، كقوله: (في النهاية، وفي اجتماع ثانٍ، نجح فايز سارة في إرغام أحد عشر عضواً على إعطاء أصواتهم لهادي البحرة). أقول: في الانتخابات النزيهة الديمقراطية التي شاركنا فيها، وميشيل كيلو كان معنا، فاز موفق نيربية بعشرة أصوات (صوت ميشيل وصوتي منها) مقابل تسعة أصوات أعطيت لهادي البحرة. بمعنى أن التسعة الذين صوتوا للبحرة في البداية "بمحض إرادتهم" لم يكن يتطلب الأمر من فايز سارة وغيره (إرغامهم) على التصويت للبحرة مرة ثانية.

سادساً- الآن، وبما أن أسرار الكتلة الديمقراطية بدأت تخرج إلى العلن (قبل مضي 25 سنة على حدوثها بحسب العرف الدولي!)، سأقول إنني كدتُ أتشاجر مع فايز سارة، بسبب ما قاله لميشيل كيلو، فأغضبه، وجعله يقدم استقالته من الكتلة، وقلت له، أثناء ذلك: إن مغادرة ميشيل كيلو تسبب خسارة فادحة لأي تجمع سياسي، يكون فيه، ويجدر بنا ألا نتخلى عنه بسهولة.

إن السبب الذي جعل ميشيل كيلو يقدم استقالته أنه حكى لنا عن تفاصيل لقاءٍ له مع أعضاء بارزين في الائتلاف، وبضمنهم مصطفى الصباغ، اجتمعوا في غازي عنتاب، وتحاوروا في شؤون الائتلاف، وبضمنها الشأن الانتخابي. رد عليه فايز سارة قائلاً: إن نتيجة هذه المداولات لن تكون مُلزمة للكتلة. فغضب ميشيل، وقدم استقالته وخرج. نحن، هنا، أمام خيارين: أن نقول لميشيل كيلو (أنت تمون أبو أيهم وما تريده يصير)! أو نقول له: أسسنا الكتلة لنعمل على نحو مؤسساتي، ومن ثم، إن أي شيء يتفق عليه أيُّ واحد منا غير ملزم لنا، إذا لم نجتمع ونتدارس فيه، ونتفق عليه. بمعنى آخر: كلام فايز سارة لم يكن ليغضب ميشيل كيلو، لو أنه صدر عن غير فايز سارة. وفي كل الأحوال، هذا الكلام لا يستأهل أن يكون رد الفعل عليه استقالة.

سابعاً- يكثر الحديث ضمن الكتلة الديمقراطية عما يسمى الخط الأحمر. وفي المقالة تذكير من ميشيل كيلو للآخرين بأنهم قالوا، في وقت سابق، إن مصطفى الصباغ خط أحمر.

لا أجدني في حاجة لتذكير ميشيل كيلو، وغيره، بأن العمل السياسي، في المعارضة على الأقل، لا يجوز أن تكون فيه خطوط حمر. فإذا كان موقف الديمقراطيين من مصطفى الصباغ مبنياً على كونه (محسوباً على قطر)، ويستعمل المال السياسي، فبإمكان الصباغ، وغيره، أن يعتبر التعامل معنا، نحن الديمقراطيين، على أساس أن بعضنا (محسوب على السعودية)، ويستعمل المال السياسي أيضاً.

الأصح القول، في رأيي المتواضع، إن قطر والسعودية دولتان داعمتان للثورة السورية والمعارضة السورية، والذكاء لا يكون بوضعهما ضمن سياق المشادات والتجاذبات، وإنما في جعلهما تنظران بعين التقدير إلى توجهنا نحو استقلالية القرار الوطني السوري، وهذا ما كنا نريد أن نشتغل عليه، استناداً إلى ورقة ميشيل كيلو التي تبنتها الكتلة، قبل هذا كله. ولو كان لدينا خطوط حمر، لما كنا وافقنا على الذهاب إلى مؤتمر جنيف. كنا جميعاً متفقين على أن خوض معركة جنيف عمل صائب. وهو كذلك بالفعل.

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...