موقعة رئيس إسرائيل في ميونخ
كانت التقاطةً غايةً في الأهمية من التلفزيون العربي الكذبة المستجدّة لرئيس إسرائيل، إسحق هيرتزوغ، عن عثور جنود الاحتلال المعتدين في غزّة على كتابٍ اسمُه "نهاية اليهود"، تحدّث عنه في مشاركته في منتدى ميونخ للأمن، ونسبَه إلى القيادي في حركة حماس، محمود الزّهار. ولافتٌ في اللقطة التلفزيونية لاستعراض الرئيس المذكور النسخة من الكتاب بين يديه أن اسم المؤلّف لا يظهر على الغلاف، لكن هذا لم يعن شيئا للكذّاب الذي استرسل في الشرح عن محتوى الكتاب أمام الحضور والمستمعين، ومن ذلك أنه يشيد بالمحرقة (الهولوكست)، ولأمرٍ كهذا وظيفتُه الدعائية في ألمانيا حيث كان هيرتزوغ يكذب، ويسترسل عن هذا الكتاب (الرديء من دون أن نقرَأه)، إنه يدعو إلى عدم الاعتراف بالشعب اليهودي (تنتسب الشعوب إلى أوطانٍ ودولٍ وليس إلى أديان، فليس من تعريفٍ لشعبٍ أنه شعبٌ مسيحي أو مسلم، لك أن تقول عن مجتمع إنه هكذا)، فيخلُص رئيس دولة العدوان إلى أن العثور على كتابٍ كهذا في غزّة، لمؤلّفه القيادي في "حماس"، سببٌ وجيهٌ لدعوة دولٍ سنّيةٍ إلى التحالف مع إسرائيل ضد "الجهاديين".
بديهيٌّ أن من قلّة العقل أن يُخاضَ جدالٌ مع دجلٍ من هذا النوع، غير أن هذا لا يخصِم من الأهمية المؤكّدة لمسارعة ناشطين في "السوشيال ميديا" إلى كشف الفِرية التي ساقها هيرتزوغ أمام مستمعيه المنتدين، عندما أوضحوا أن لا صلة للزّهار بالكتاب، فكاتبه مصري، ونشرته داران للنشر في مصر والسعودية. وحسناً من الزّملاء في التلفزيون العربي أنهم عرّفونا بهذا، فليس الجمهور العربي منشغلاً بكتابٍ طبعَه صاحبُه، المغمور الاسم والشأن، قبل أزيد من 30 سنة، غير أن الأهمّ هنا أن يعرف منظمّو منتدى ميونخ أن رئيسَ دولة مدعوّاً إلى الحديث فيه استغلّ منصَّته ليمارس دعايةً تستثمر في جريمة المحرقة. ولم يكن من الوارد أن يَرَدّ على هيرتزوغ أحدٌ ممن استمعوا إليه، فيُخبروه بأن المصري أبو الفداء محمد عزّت عارف هو صاحب الكتاب الذي رأى المستمعون هناك غلافه، وليس محمود الزّهار (له عدّة كتب، بينها قصصٌ ورواياتٌ وسيناريو تلفزيوني).
من المهم أن يُرسَل إلى القائمين على منتدى ميونخ وجميع من شاركوا فيه إيضاحُ الكذبة، مقرونا بشرحٍ واجبٍ بشأن "حماس" التي ينتسب إليها الزّهار، والتي أعلنت غير مرّة، وقبل أسابيع في وثيقةٍ رسميةٍ مُعلنة ومتوفّرة في شبكة الإنترنت (هل ترجموها إلى الإنكليزية؟)، أن الحركة لا تُقاتل اليهود، ولا تستهدف أحداً منهم بصفته هذه، بل تُحارب دولة الاحتلال الإسرائيلي وجيشها والمعتدين منها. فإذا كان مهمّاً أن يعرف الجمهور العربي (ومن أفراده صاحبُ هذا التعليق) ما اقترفه هيرتزوغ، فإن الأهم أن يعرف الذين انتدوا في المدينة الألمانية براءة "حماس" مما استهدفَه بها الرئيس الكاذب، وأن الحركة إنما تقاتل محتلّين، يرتكبون جرائم حربٍ مشهودة. وإذا كان على هامش المجتمعات العربية من هم من نوع صاحب الكتاب الذي أشهره هيرتزوغ بكيفيّةٍ ركيكةٍ، فإن في صلب المجتمع الإسرائيلي من يجهرون صراحة بالعمل على قتل الفلسطينيين، ويباركون جرائم الإبادَة التي ينشط في اقترافها جيش الاحتلال في قطاع غزّة منذ أربعة شهور. وطالما أن منتدى ميونخ تحوّل إلى مهرجان كلامي لشيطنة حركة حماس، وقذفها بشناعاتٍ لا يتوقّف عن اقترافها هذا الجيش، ورميها بتبخيسٍ رديء كما الذي فعله الوزير المصري، سامح شكري، فإنه يلزَم أن يعرف الذين سمعوا هيرتزوغ (وغيرِه) أن مناهج التعليم في الدولة العبرية تضجّ بالكثير العنصري ضد الشعب الفلسطيني، وبما يحرّض من أجل قتل أبناء هذا الشعب ونهب أرضه (أظنّ أن مضامين هذه المناهج تصلُح شواهد في مرافعات جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية).
ليست "حماس" التي يدعو قياديٌّ فيها، اسمُه محمود الزهار، إلى "إبادة اليهود"، وإنما مؤسّسة الحكم السياسية في دولة الاحتلال، ورديفتُها المؤسّسة العسكرية والأمنية، تمارس إبادة الفلسطينيين، ورئيس هذه الدولة، المستقدَمة عائلتُه من أيرلندا، أحد الذين يزهون بهذا الفعل، ليس فقط بشاهد توقيعِه على صواريخ دكّت بيوت فلسطينيين وقتلت غزّيين فيها، وإنما أيضاً لشراكته في المصادقة على قراراتٍ في خصوص الإبادة الجارية...