موسى زينل الذي لا يُنسى
لستُ أنسى أن موسى زينل (1945) كان أول من جالستُهم من أهل الثقافة القطريين لمّا بدأتُ إقامتي (الأولى) في الدوحة خواتيم ذلك الصيف، قبل 29 عاماً، في مكتبه، وكيلاً لوزارة الإعلام والثقافة للشؤون الثقافية. ولستُ أنسى ما أصبتُ فيه من علوّ المعرفة والثقافة، وكذا فائض اللطف في شخصه. أتذكّرها تلك الجلسة، ثم مناسباتٍ بلا عدد كنت ألقى فيها موسى زينل، في أنشطة ثقافية عديدة، سيّما مسرحية وتشكيلية وموسيقية، وهو الذوّاقة العتيد. أستدعيها إلى هذه السطور، وفيّ شعور ثقيلٌ بأسى، بعد أن باغتنا نبأ رحيل هذا الرجل المحترم، المثقف النشط، السبت الماضي، فنعاه أصدقاؤه ومعارفُه وعموم أهل الفنون والإبداعات والثقافة والتربية والتعليم والإعلام في قطر، وكلّهم في إحساسٍ بخسران كبير، إذ يفقدون أحد الرّعاة الذين ساهموا، بجدّ ومثابرةٍ، في إبراز أعمالهم وإبداعاتهم في داخل بلدهم وخارجه، وقد جعلته خدمتُه عقوداً، في مختلف مواقعه التي تولّى المسؤوليات فيها، أحد ألمع الخبراء الفاعلين الميدانيين العرب في مجال التنشيط الثقافي والفني، ودعم الطاقات والكفاءات والقدرات في المسرح والتشكيل والآداب والفنون المشهدية وغيرها. ولهذا الاعتبار، استحقّ وسام الفارس الفرنسي في الفنون والآداب بدرجة فارس، وكذلك تكريم ملك الأردن له بوسام الكوكب، فضلاً عن تكريماتٍ خليجيةٍ وعربيةٍ عدّة. وهذا صديق الراحل، الوزير السابق، رئيس مكتبة قطر الوطنية، حمد بن عبد العزيز الكواري، يقول عنه، في مرثيةٍ شفيفة، إن موسى زينل "لم يبخَل على امتداد عقود في بذل الجهد من أجل تطوير وتعزيز حضور بلده وتمثيلها في الداخل والخارج".
قال الراحل إنه شعر في يوم تعيينه مدير إدارة الثقافة في وزارة الإعلام القطرية (خلفاً لعميد الصحافة القطرية ناصر العثمان)، في العام 1981، بسرورٍ بالغ، لأنه كان يوماً غيّر مجرى حياته، وأحسّ بأن هذه المسؤولية كانت تلبّي طموحاته، وتفجّر الطاقات في شخصه. وقد تأكّد هذا في عمله لاحقاً سنوات طويلة، بذل في أثنائها مجهوداً كبيراً في التعريف بالموروث الثقافي المتنوّع لبلده، وبالقديم من فنونها وحديثه. وقد نشط في تنظيم المعارض والأنشطة الخارجية في بلدان عديدة، بدافع الحرص على إبراز إبداعات الفنانين القطريين، في الغناء والموسيقى والتشكيل والمسرح الذي بدا أنه الميدان الأقرب إلى ميوله الخاصة، وهو الذي شارك غي عروضٍ مسرحيةٍ ممثلاً، إبّان كان طالباً في الثانوية، ثم في أثناء دراسته الآداب في دار العلوم في القاهرة، والتي سجّل فيها لدراسة الماجستير من دون أن يكملها. وقد عكف على تشجيع المواهب المسرحية، وتأمين كل دعمٍ لازمٍ لفرقٍ وأنشطةٍ ومهرجاناتٍ وأعمالٍ مسرحية، ومن ذلك الاحتفاليات السنوية في اليوم العالمي للمسرح، بالتوازي مع استقطاب خبراتٍ عربيةٍ من أساتذة المسرح وفنّانيه العرب. وهو الذي واكب، باهتمام خاص، حركة المسرح الناهضة في قطر، منذ بدايات عبد الرحمن المنّاعي وزملائه في مطالع السبعينيات، إلى جانب اعتنائه الخاص بالمسرح المدرسي. وقد أشار موسى زينل، في مقابلةٍ معه، إلى ما عرفه هذا النشاط من مستوىً متقدّم في الثمانينيات، فتأهّلت، في ذلك العقد (وبعده) مسرحياتٌ قطرية لنيل جوائز عربية رفيعة في مهرجاناتٍ كبرى، قرطاج وغيره.
منذ عمله في إدارة النشاط الثقافي في جامعة قطر بُعيْد تأسيسها في 1973، وصولاً إلى موقعه مستشاراً لوزير الثقافة في 2008، (وقد كان نِعم المستشار ونِعم المعين، على ما كتب حمد بن عبد العزيز الكواري)، ثم تقاعده، ظلّ موسى زينل منشغلاً بكل ما يخدم النهوض الثقافي في بلده، وهو الذي كانت له شبكة واسعة من العلاقات مع مؤسّسات العمل الثقافي والفني الخليجي المشترك، وكذا المؤسّسات الرسمية والأهلية في البلاد العربية. وفي الوُسع أن يعدّ واحداً ممن أتقنوا الأداء والفاعلية والحضور في العمل الثقافي الدبلوماسي في واحدٍ من وجوه ٍعدّة له.
رحم الله موسى زينل، اسماً قطرياً خليجياً عربياً لا يُنسى.