موجز بشأن السعودية

26 يناير 2015

سلمان عبد العزيز .. التوازنات والرهانات المأمولة (23 يناير/2015/أ.ف.ب)

+ الخط -
أمّا وأنه ليس متوقعاً أن تستجدّ على السياسة السعودية الخارجية تحولاتٌ كبرى، بعد تولي الملك سلمان بن عبد العزيز العرش، والتغيّر الذي استحدث في مناصب قيادية وحساسة في المملكة، فذلك لا يعني أن نستبعد إيقاعاً مختلفاً قد تتسم به هذه السياسة لاحقاً، ولا يعني أن لا يُطلب من القيادة الجديدة ما يحسُن أن تأخذ به من خيارات، نفعاً للمملكة والإقليم وللأمة، ليس فقط بالنظر إلى الموقع الخاص الذي تحتله (أو يجب أن تحتله؟) العربية السعودية في العالم العربي، مكانة ودوراً وتأثيراً، بل أيضاً لأن موجبات غير قليلة صارت تتطلب توظيفاً آخر للمكانة، وتفعيلاً أنسب للدور، وحضوراً أوضح للتأثير، بالاتجاه الإيجابي الذي يؤمل أن تظل إيجابيته معلومة وغير مشوشة. وإذ يصح وصف الزميل بشير البكر للعاهل الجديد بأنه "ملك التوازنات بين الليبراليين والمحافظين" (العربي الجديد، 24/1)، فالمأمول أن لا تخصم التوازنات المتوقع أن يُحدثها في الداخل السعودي من التطلعات التي تراهن قطاعاتٌ وازنةٌ وشابةٌ في المملكة على تحقيقها. والمأمول، أيضاً، أن ينشط صانع القرار السعودي في تصويب الاختلال الحادث في المنطقة، والذي لا جديد ولا مفاجئاً أن يُشار، في صدده، إلى أن انحساراً واضحاً حدث في فاعلية السعودية إقليمياً، جعل الفاعل الإيراني على الهمّة التي نلحظها، في غير بلد عربي.
انتخابات بلدية، وتعزيز أكبر لمكانة المرأة، وتحديث مؤسساتي، وفصل الحقل الديني عن النشاط المدني، هذه بعض قضايا الداخل السعودي التي لا يدس المراقب من الخارج أنفه فيها إذا ما تمنّى على طاقم القيادة الجديد، والمخضرم والعتيق والشاب، إيلاءها صدارة المشاغل، قناعةً من المواطن العربي، المحب للمملكة وشعبها، بأن كل تطوير في العربية السعودية لا بد وأن نفعه كبير عربياً، ويحدث اندفاعة سياسية حيوية في المحيط العربي العام. وكلنا واقعية، ولدينا كل التفهم والإدراك للخصوصيات السعودية التقليدية الضاغطة، غير أننا على ثقة بأن ثمّة ممكنات غير هينة يمكن للمملكة أن تستثمرها في تحسين الحال العربي، باتجاه مغاير لخيارات نراها عاكست مصلحة السعودية أولاً، وخالفت التوجه الشعبي العريض في الأمة، سارت فيها الرياض أخيراً، تجيز لنا، هنا، رهاناً على حسابات أخرى، في وسع الملك سلمان بن عبد العزيز أن يجريها، تلتفت إلى الخسارات الواضحة، وتعمل على تصويبٍ مطلوب، صار ملحاً، وباتت موجباته بادية.
لا تحتاج القيادة السعودية إلى دروس من أحد، تُخبرها بما حفل به الحديث إعلامياً، في اليومين الماضيين، عن "تحدياتٍ" خارجية أمامها، ونظنُّ أن وزير الخارجية، سعود الفيصل، أصاب كثيراً في قوله، مرة، عن يمنٍ مستقرٍّ وإيران صديقةٍ، تأملهما السياسة الخارجية للمملكة تاريخياً. وهذا هو اليمن، ينكشف أمام تعاسةٍ تتدحرج يوماً بعد يوم، بسبب خراب النخبة هناك، وبسبب النزوع الإيراني إياه إلى الاستحواذ في منطقة الخليج وغيرها، وهذه إيران لا يبدو أنها في وارد أن تتخفف قليلاً من جموحها الظاهر والنشط، حين تعتنق نهجاً لا يسمح بالعراق أن يعود دولة حقيقية ناهضة، ولا يأذن لسورية أن تكون دولة حق وحرية وعدالة.
ليس الحق على الطليان دائماً، فما كان لإيران أن تجهر بما تفعل من دون أي حياء، لولا أن حالنا العربي لم يكن على السوء الذي نرى، ولو أن التحالفات الإقليمية التي اتجهت إليها غير عاصمة عربية على غير النحو الذي نعرف، ولو أن حسني مبارك عرف قيمة مصر وقدرها، ولو أن العلاقات العربية البينية والثنائية تحرّرت من الولع المعلوم بالمناكفات والمكايدات، ولو أن الطغيان والفساد ما تجبّرا. وفي مقامِ حديثٍ، هنا، عن ملك جديد في العربية السعودية، بعد دعاء له بالتوفيق، نقول إن ثمّة أملاً بجديدٍ كثير منه، بشأن ما سبق، وبشأن مسائل أخرى.


معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.