مواطنون رهائن في إيران
تمتلك إيران رصيداً وافياً من الاعتقال التعسّفي لمواطنيها، وهؤلاء غالباً إما من فئة الناشطين أو الباحثين أو الصحافيين. يتعاطى معهم العقل الأمني الإيراني على أنهم رهائن، يتم القبض عليهم متى ما استدعت الحاجة لتغطية تقصيرٍ ما أو المساومة عليهم.
أصحاب الجنسية المزدوجة، أو ممن ينظر في أوروبا إلى عملهم بتقدير، هم أبرز الضحايا، إذ يعدّون بمثابة صيد ثمين بالنسبة لطهران. وغالباً ما تكون التهم الأمنية نفسها جاهزةً بحقهم، بين "التآمر لقلب النظام" و"نشر الدعاية الهدّامة ضد النظام"، فيما تشكل تهمة العمالة لإسرائيل الأحب للأجهزة الإيرانية. أما روايات الضحايا فهي على النقيض تماماً من كل ما تروّجه الدعاية الأمنية الإيرانية، إذ يشترك عدد منهم في الشكوى من أن اعتقاله تم بعد رفض عرض التجسّس لصالح الحرس الثوري الإيراني.
ما يجري في الآونة الأخيرة مع المحامية والناشطة نسرين سوتوده، الحائزة عل جائزة ساخاروف لحقوق الإنسان، والتي اعتقلت في 2018، خير مثال على ذلك. قبل أسابيع معدودة، سمحت السلطات بالإفراج المؤقت عنها، خصوصاً بعد إضرابها عن الطعام لأكثر من 45 يوماً، والمخاوف على وضعها الصحي بسب سنّها (57 عاماً)، لكنها قرّرت، الأربعاء الماضي، وعلى نحو مفاجئ، إعادتها إلى السجن، على الرغم من إصابتها بكورونا، على قاعدة أن الإفراج المقبل عنها يحتاج إلى ثمن. وجلّ ذنبها أنها كانت من أصحاب الصوت العالي الذين لا تقدر السلطات على إسكاتهم، حتى وهم في السجن.
الطبيب الإيراني – السويدي أحمد رضا جلالي، نموذج آخر. متهم بالتجسّس، بعدما أوقف في إبريل/ نيسان 2016 خلال زيارة لبلده. لم تتأخر إدانته بالعمل لصالح إسرائيل، بعد اتهامه بتسلم الموساد معلومات عن خبيرين نوويين إيرانيين تم اغتيالهما. لكن جلالي نفسه سبق أن أفاد بأنه حُكم عليه لرفضه التجسّس لصالح إيران خلال وجوده في أوروبا.
وعلى هذا المنوال، لا تبدو مستغربة حالة الإيرانية البريطانية نازنين زاغري راتكليف، التي اعتقلت في 2016 بعدما أنهت زيارتها لعائلتها. ألقي القبض عليها بينما كانت تعمل في مؤسسة طومسون رويترز، ثم حكم عليها بالسجن خمس سنوات، بعدما دينت بـ"محاولة قلب النظام". وبينما تعيش حالياً قيد الإقامة الجبرية في منزل عائلتها، فهي مهدّدة بالعودة إلى السجن في أي لحظة، بعد لائحة اتهامات جديدة تواجهها. وجميع محاولاتها لنفي التهمة عنها باءت بالفشل، لكن ذلك لم يبدّل من روايتها وإصرارها على أنها رفضت التجسّس لحساب استخبارات الحرس الثوري مقابل إطلاق سراحها. وتربط عائلتها، تحديداً زوجها، بين الابتزاز الذي تتعرّض له راتكليف ورغبة طهران في مساومة لندن، للتوصل إلى تسوية تتيح لإيران استرداد 400 مليون جنيه إسترليني، هي نتاج صفقة مؤلفة من 1500 دبابة تشيفتن، كان قد تم الاتفاق عليها في زمن الشاه، قبل أن ترفض بريطانيا المضي بها بعد الثورة الإسلامية (1979) وتجمّد الأموال.
أما الباحثة الفرنسية الإيرانية فاريبا عادلخاه، المسجونة منذ 2019 بتهم عدة، بينها "التآمر ضد الأمن القومي"، والمحكومة بخمس سنوات سجن، والتي ترى باريس في قضيتها "سياسية بحتة"، فيبدو أن مصيرها سيكون رهن ما ستقدّمه باريس لطهران في وقت ما.
تريد طهران من العالم أن يصدّق روايتها بالسيناريو نفسه، المنسوخ في كل مرة عن اعتقال مواطنيها من دون أي تشكيك، فيما كل حرفٍ تردّده السلطات الإيرانية هو موضع شك كامل. وهنا تحديداً يفيد التذكير بفضيحة محمد موسوي مجد، الذي كان معتقلاً منذ 2018، وحكم عليه بالإعدام خلال العام الحالي، عقب اغتيال أميركا قائد فيلق القدس قاسم سليماني، بعدما دين بالتجسّس والمساهمة في تحديد موقع سليماني! ولأن المشهد يعيد نفسه كل فترة، من غير المستبعد أن تخرج وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية بنبأ اعتقال جديد لمواطن/ة إيراني/ة مزدوج/ة الجنسية أو ناشط/ة، وإلصاق تهمة التورط باغتيال العالم محسن فخري زادة، لا سيما بعد الروايات التي خرجت عن معلومات كانت تمتلكها إيران عن مخطط لاغتياله وفي مكان العملية نفسه، لكنها عجزت عن منعها بسبب الطريقة التي نفذّت فيها.