من يقصف الجيش اليمني بالمُسيَّرات؟
واقعة ثانية تُسجّلها قوات الجيش اليمني، بشأن قصف طائرات مسيَّرة، من دون طيار، تابعة لقوات (مليشيا) المجلس الإنتقالي الجنوبي (الإنفصالي)، المدعومة من الإمارات؛ طلائع من الجيش في منطقة شُقرة في محافظة أبين (جنوب)، ما أسفر عن إصابة ضباط صف وجنود، وذلك بعد أقل من شهر على تعرّض الجيش لقصف مماثل في المنطقة نفسها. وكان قادة في قوات "الإنتقالي" قد نفوا استخدام أي طائرات مسيّرة لأغراض هجومية، زاعمين أن لديهم "مدفعية متطوّرة تديرها خبرات عالية الكفاءة"، وأنها كفيلةٌ بأن تفي بالغرض ذاته؛ ما يثير أكثر من سؤال حول ماهية هذه المدفعية، وهل ما تزال الإمارات تمدّ حلفاءها بمختلف أنواع الأسلحة، وما موقف السعودية، سيَّما أنها التي تشرف على وقف إطلاق النار، وفقًا لاتفاق الرياض المتعثر منذ عام، وآلية تسريع تنفيذه، التي أُعلن عنها مطلع أغسطس/ آب الفائت.
يبدو أن إنكار قادة قوات المجلس الإنتقالي امتلاك طائرات مسيَّرة يأتي في سياق نفي التهمة الموجهة إلى الإمارات بوقوفها وراء ذلك، سواء من خلال التزويد بهذه الطائرات، أو تدريب طواقمها، في ظل ما أثير، أخيرا، بشأن دعم الإمارات قوات "الإنتقالي" لتشكل نواة مصغرة لوحدة طيران مسيّر، تؤدّي دورًا عسكريًا مستقلًا، كحال المدفعية التقليدية، والصواريخ الحرارية التي زوّدته بها سابقًا.
هل تدعم الإمارات قوات "الانتقالي" لتشكل نواة مصغرة لوحدة طيران مسيّر، تؤدي دورًا عسكريًا مستقلًا، كحال المدفعية التقليدية، والصواريخ الحرارية التي زوّدته بها سابقًا؟
تفيد شواهد كثيرة بأن قوات المجلس الانتقالي تطلق، منذ سبعة أشهر، طائراتٍ مسيَّرة، تقوم بمهمات استطلاعية، ومسحية، ورقابية، في تطوّر ملحوظ يثير الشكوك بشأن وجود تعاون وثيق بينها وبين القوات المشتركة المتمركزة في الساحل الغربي التي تتلقى دعمًا إماراتيًا مماثلًا، وتتمتع بقدراتٍ متقدّمةٍ في مجال استخدام الطائرات المسيّرة من دون طيار؛ فهل يجري هذا التعاون بمعزل عن الإمارات، وهل يُغني ذلك عن دورها المباشر؟
تقول مصادر في قوات الجيش، المتمركز في منطقتي شُقرة والطريَّة إن هذه الطائرات، سواء التي تقوم بمهمات هجومية أم تجسّسية، عادة ما تنطلق من جهة البحر، في إشارة إلى أن مصدرها سفن حربية تجوب خليج عدن، ولا يعني ذلك غير سفن التحالف، وتشاركها في ذلك زوارق خفر السواحل اليمني الذي لا يخضع للحكومة الشرعية، وإنْ كان قائدها يحاول الوقوف على الحياد، منذ تمرّد المجلس الإنتقالي على الحكومة، وسيطرته على عدن في أغسطس/ آب 2019.
يحاول محللون، وبدعوى الحياد، تشتيت الأنظار عن مصدر هذه الطائرات، وصرف النظر عن دور الإمارات في ذلك؛ فيقولون إن الحوثيين يقفون وراء استهداف قوات الجيش المتمركز في شقرة، بواسطة هذه الطائرات، وأنه سبق لهم أن استهدفوا بها، في عمليتين مختلفتين، قادةً بارزين في الجيش، وفي مليشيا المجلس الإنتقالي، في كل من لحج، وعدن، في يناير/ كانون الثاني، وأغسطس/ آب 2019، وأن فرصهم في ذلك أوفر، سيما أن قواتهم تحتل مناطق من مديرية مُكَيراس، شمال غربي محافظة أبين، وإن كانت ظروف العمليتين وتداعياتهما تشير، بكل وضوح، إلى ضلوع الإمارات والمجلس الإنتقالي في ذلك.
يمتلك الحوثيون تقنيات جيدة في مجال الطائرات المسيّرة، تفوق خصومهم الداخليين، وهي في تطور مستمر
يمتلك الحوثيون تقنيات جيدة في مجال الطائرات المسيّرة، تفوق خصومهم الداخليين، وهي في تطور مستمر، ولا أدلّ على ذلك من تصريحات المتحدّث باسم القوات المسلحة الإيرانية، الذي كشف عن دعم بلاده الحوثيين بتقنيات متطوّرة، في مجالي الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية، فضلًا عن دورها الإستشاري. ولكن هل يعقل أن تسمح قوات المجلس الانتقالي بتسلل هذه التقنيات، من خلال مناطق سيطرتها، إلى مناطق الحوثيين، من دون أن يثيرها الأمر في تملُّك مثل ذلك؟!
يُطرح هذا التساؤل اعتمادًا على وقائع عديدة بشأن إحباط عمليات تهريب تقنيات طائرات مسيّرة، وصواريخ، وأسلحة أخرى، عبر المناطق الخاضعة لقوات المجلس الإنتقالي، لكننا ننتظر، في الوقت ذاته، ما يمكن أن يكشف عنه تقرير فريق خبراء مجلس الأمن المعني باليمن، والذي من المتوقع أن يُعلَن عنه نهاية ديسمبر/ كان الأول المقبل، غير أن الواقع يؤكّد أن المجلس الإنتقالي يمضي بخطىً حثيثة في تعزيز قدراته في هذا الجانب، نظرًا إلى ما يمثله ذلك من تحقيق ميزات عسكرية أمام قوات الجيش والحوثيين على حد سواء.
قوات المجلس الانتقالي تطلق، منذ سبعة أشهر، طائراتٍ مسيَّرة، لمهمات استطلاعية، ومسحية، ورقابية
وإزاء ذلك كله: هل سيكون لهذا التميز، على افتراض غيابه لدى قوات الجيش، أثر في نتائج أي مواجهة عنيفة محتملة بينها وبين قوات المجلس الإنتقالي، في حال سقوط اتفاق الرياض وآلية تسريع تنفيذه؟ حاليًا، تواجه الحكومة الشرعية تحدّياتٍ عسكريةٍ عديدة، من أبرزها عرقلة الإمارات تصدير غاز ونفط مأرب وشبوة عبر ميناء بلحاف، بما يمكّن هذه الحكومة من الحصول على السلاح، بشكل مستقل، وتحقيق أي تقدّم في مجال القوات الجوية التقليدية، أو جَسْر جانبٍ من هذه الفجوة، بواسطة الطائرات المسيّرة، والصواريخ المتقدّمة، ومنظومات الدفاع الجوي، على الرغم من مرور ست سنوات على اندلاع الحرب، وهي مسألةٌ يمكن أن تضع مختلف أطراف الصراع الداخلي على قدم المساواة، سيَّما في مجال الطيران التقليدي، لكن تفوق أي طرفٍ بالمُسيَّرات مسألة نسبية قد تكشف عنها الأشهر القليلة المقبلة، وهذا التفوّق لن يمنح طرفها نصرًا ساحقًا، بقدر ما يحقّقه له من تأثير نفسي، ونصر معنوي.