من يشتري الحب؟
وسط الغلاءِ الشّديد للمواد الأساسيّة، تصبح الهدايا رفاهيّة غير محتملة. لكن الماكينة الاستهلاكيّة تقوم على جعل الاحتفال بالأعياد قائماً، بقوّة الأمر الواقع، على المادّيات. فلا عيد بلا زينة، ولا عيد بلا هدايا، ولا عيد بلا أطباق خاصّة... هكذا تتحوّل الأعياد، قديمها وحديثها، إلى مناسباتٍ استهلاكيّة مائة في المائة. ويتلاشى طابعها الرُّوحي أو الشّعائري أو العاطفي. وترتفع الأسعار في تلك المناسبات التي يضطرّ المرء فيها إلى اقتناء الأشياء وشرائها تحت رحمة الأسعار، فهو لا يستطيع استباق موسم هذا العيد أو ذاك، بسبب عدم توفر فائض مالي يصلح لذلك. ولأنّ الاحتكار يُفرغ الأسواق من منتجات العيد، بعده مباشرة.
كثيرون وجدوا أنّ حل الغلاء الوحيد هو التخلّي، والاستغناء عما يثقل كاهلنا والجيوب، تحت شعار "دعوه يتعفّن". ما هو؟ إنه كل ما عَلا سعره بلا وجه حق، غير الجشع والسياسات النيوليبرالية للدول "السّائرة في طريق النوم". مقابل استغلال ما يتوفّر بالمجّان، ويمكن أن يواجه الماكينة الاستهلاكية، وينتصر عليها. وهو شيء ليس بالشّيء، لكنه أقرب إلى كل شيء، رغم أنه مجاني إلّا أننا نبخل به، حتى الحرمان. وهو العاطفة وإظهار المحبّة والدعم، ومساعدة الآخر الذي نعتني به.
في عيد الحب القائم على كثير من اللّون الأحمر، الذي يبرق في الواجهات، ولا يعبّر سوى عن صورة كاريكاتورية للحب، يمكن تقديم لفتة حب، بدون بذل درهم واحد. للأزواج والزوجات تنظيف البيت، أو وجبة جميلة، وربما جلسة تدليك أو سهرة سينمائية في البيت أو السينما. قضاءُ أغراض عالقة للشّريك، من أداء فواتير ومهام مؤجّلة، وإصلاح حاجيات مؤجّلة. أو المساعدة في حلّ مشكل عالق. وهذا يعمل في كل الاتجاهات، وبكل الطرق، فيمكن التعبير عن الحب تجاه كل من نحب، بلفتاتٍ أغلى من المال، على معزّته وأثره في حياة الناس. هناك هدايا يمكن صنعها بلا شيءٍ سوى الحب، مثل الرّسائل. فما من شخصٍ لا تفرحه الرسائل حتى لو كان عديم الشعور. رسائل مُفكّر فيها، ومكتوبة بعناية ومحبة وصدق ... هذه هدايا غالية لا تبيع المتاجر ما يشبهها. هي هدايا صنعها من تحبّ بحب، وهذا ما لا يمكن قوله عن الهدايا الحمراء في السوق.
بدل باقة ورد حمراء غالية الثمن، يمكن إهداء أصص لنوع من الورد. هذه أقل غلاءً وأكثر عمرا. من قال إن الورد الأحمر وحده المعبّر عن الحب؟ وأنّ باقة الورد الغالية هي الأكثر قيمة؟ ماذا عن نبتةٍ لطيفة موردة، وقابلة للحياة أكثر من سنة إن اعتني بها؟ ماذا عن نبتة خضراء؟ ماذا عن سلّة فواكه تُحضرها إلى بيتك في هذا الوقت السّيئ؟ ماذا عن بورتريه باليد، توفّر به عملاً لشبابٍ وفنانين، وتخرج من الماكينة الاستهلاكية، لتدخل عالم الفن والجمال. هذا البورتريه سيدوم العمر كله، وقد يرثه الأبناء.
من منّا يذهب إلى أمه ويخفّف عنها عمل يوم. ويقول لها دعيني أقوم عنكِ، بكلّ شيء واستمتعي اليوم بإجازة؟ من يفعل ذلك مع زوجته إذا كانت ربّة بيت؟ من يجلس في محل أبيه ويُعطيه يوم راحة، بالحلول محله؟ من يزور والديه البعيدين على حين غفلة؟ من يتذكر شيئاً صغيراً تمنّته أمه منذ زمن بعيد وأحضره. من يُفكر في هدية لا تتطلّب وقوفه أمام صندوق الأداء؟ ليس فقط لأنّه لا يملك ما يكفي من المال، بل لأنّه قرر أن أكبر وأهم الأشياء التي نقوم بها لمن نحب لا تتطلب مالاً، بل عطاء وكرماً وبذلاً نفسياً وعاطفياً.
عيد الحب في زمن الأوبئة والكوارث البيئية، قد يعني أن نقوم، ومن نحب، بفعلٍ إنساني تجاه ضحايا هذه الظّروف. ماذا لو خصّصنا ما كنا نصرفه على هدايا عيد الحب، على قلّته أو كثرته، لضحايا زلزال سورية وتركيا؟ لنتخيّل فقط شعور من سيستفيد من هذا المبلغ، من الذين فقدوا كل شيء مادي في حياتهم، والكثير من الأهل والجيران والأصدقاء؟
لا سعر للحب، ولا للفرح ولا للإنسانية.