من يزرع الشوك في العراق؟

25 فبراير 2022

أنصار الحشد الشعبي وتحالف فتح في بغداد يحتجون على نتائج الانتخابات(17/1/2022/الأناضول)

+ الخط -

مضى على انعقاد أول جلسة لمجلس النواب العراقي الجديد، وانتخاب رئيس له مع نائبيه، أكثر من شهر ونصف الشهر، وتخلّلته فعاليات معرقلة وأخرى مغرضة ومسيّسة، كان أحد نتاجاتها عرقلة انتخاب رئيس الجمهورية؛ بعد رفض المحكمة الاتحادية العليا مرشّح الحزب الديمقراطي الكردستاني، وزير الخارجية والمالية الأسبق، هوشيار زيباري، بسبب وجود دعوى قضائية ضده بتهمة ارتكابه فساداً إدارياً ومالياً خلال شغله منصب وزير المالية (بحسب المحكمة).

الفوضى المعرقلة لانتخاب رئيس الجمهورية، ومن ثم رئيس الوزراء، في بلد يئن من كثرة مصائبه وتخلّفه وأزماته، تعكس حالة التشرذم السياسي، وبروز سلبيات العملية السياسية، بعد أن كانت القوى المتشرذمة الآن تطبخ التشكيلات والوزارات والقرارات بأريحية وربحية، لكل الشركاء منذ عام 2005 وحتى انتخابات أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

من يضع العراقيل والأشواك في طريق تشكيل حكومة عراقية تمثل الأغلبية الوطنية الفائزة في الانتخابات هي القوى التي فشلت في الحصول على ما يكفي من أصوات الناخبين العراقيين

ولعل المراقب يسجل حالة المتغير الكردي في مخرجات الانتخابات؛ فبعد تجانس المواقف الكردية المتمثلة في الحزبين الرئيسيين في كل دورة برلمانية فيما يخص ترشيح رئيس الجمهورية تحديداً، فإنهما في هذه الانتخابات اختلفا حد إسقاط مرشّح الحزب الديمقراطي، حتى أن زيباري وصف موقفهم بالـ "مبيّت". يضاف إلى هذا، ائتلاف الاتحاد الوطني الكردستاني بقوة مع جماعة الإطار التنسيقي المتذمر من موقف الديمقراطي الكردستاني، بسبب تآلف الأخير مع مقتدى الصدر ومحمد الحلبوسي وسعيهم إلى تشكيل حكومة أغلبية وطنية.

تبدّل التحالفات داخل العملية السياسية المريضة جعل الصراع على أشدّه بين شركاء الأمس. صحيح أن إيران حاولت، وما زالت، أن تعيد لحمة القوى السياسية الشيعية داخل الإطار التنسيقي، لكنها ما زالت تُواجَه بموقف معاند من مقتدى الصدر تحديداً، وهو أمر ما زالت قوى الإطار صابرةً عليه، وكذلك قائد الحرس الثوري الإيراني، إسماعيل قاآني. وبدل المواجهة مع الصدر، اختار خصومه اللعب على موضوعاتٍ يستهدف بعضها القوى المتحالفة معه، وخصوصا قيادة إقليم كردستان العراق، والتلاعب بمقدرات الإقليم الاقتصادية، وتنشيط بعض قوى المعارضة الكردية لإرباك الوضعين، السياسي والأمني، وبالطبع الاقتصادي هناك، بما يشكل حالة من الضغط والهيجان ضد عناوين بارزة في الحزب الديمقراطي الكردستاني.

تعرّض مقتدى الصدر، وما زال، لأنواع عدة من الضغوط، تحت مسمّى الطائفة، ومصلحة البيت الشيعي في إحكام قبضته على حكم العراق، وتسييس بقية الطوائف والملل، بما يمكن أن يقدّموه لهم من فتات عمليات الفساد المنظمة، كما حاولوا إثارة فتنةٍ مسلحةٍ مع مليشياته المسمّاة "سرايا السلام" في محافظة ميسان، من خلال اغتيال بعض عناصرها، لكنه، وحتى تاريخ كتابة هذا المقال، ما زال متماسكاً ويتعمد استفزازهم بترديد شعاره المركزي "حكومة أغلبية وطنية لا شرقية ولا غربية".

لم يكترث العراقيون بحالة الانسداد السياسي والصراع الشيطاني بين مكونات المعادلة السياسية الطائفية، لفقدانهم الثقة تماماً بكل رموزها وعناوينها

من يضع العراقيل والأشواك في طريق تشكيل حكومة عراقية تمثل الأغلبية الوطنية الفائزة في الانتخابات، هي القوى التي فشلت في الحصول على ما يكفي من أصوات الناخبين العراقيين، والتي ترفض مغادرة المشهد السياسي، على الرغم من سعي الصدر إلى احتوائهم في الحكومة المنشودة المقبلة. وهذه القوى، هي صراحةً، قوى الإطار التنسيقي التي تريد أن تمّيع نتائج الانتخابات من خلال تشكيل حكومة توافقية، حتى يستمر الفساد وتردي الأوضاع الاقتصادية والإنسانية والسياسية والأمنية في كل العراق.

تراهن القوى التي تزرع الشوك في طريق تشكيل حكومة أغلبية وطنية في العراق على عرقلة كل خطوة من خطوات النصوص الدستورية، بدءاً بانتخاب رئيس مجلس النواب ونائبيه (كسبوا بعض الوقت من خلال تقديم اعتراض إلى المحكمة الاتحادية العليا طعناً في جلسة انتخابه)، ثم رئيس الجمهورية (وكسبوا وقتاً آخر من خلال الطعن في ترشيح هوشيار زيباري وكسبهم قرار المحكمة)، وأخيراً لا أحد يعلم كيف سيتعاملون مع جلسات مجلس النواب لاختيار رئيس مجلس الوزراء وتداعيات هذا الاختيار.

الملاحظة الأبرز في هذا كله أن العراقيين، بمختلف عناصر تكوينهم القومي والديني والمذهبي، وكما تعاملوا مع الانتخابات أخيرا، التي لم يشارك بها أكثر من 18% منهم، غير مكترثين بحالة الانسداد السياسي والصراع الشيطاني بين مكونات المعادلة السياسية الطائفية، لفقدانهم الثقة تماماً بكل رموزها وعناوينها.

F51601CD-AABE-44C5-B957-606753EEC195
فارس الخطاب

كاتب عراقي مقيم في لندن