من هو داود يا إسرائيل؟
من لم يكن يفهم أو يدرك معنى البروباغندا الإسرائيلية، المغلّفة بنصوصٍ دينيةٍ متلاعبٍ فيها، منذ ولادته، بات شاهداً عليها منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي. وضع الإسرائيليون، في معرض ردّهم على "طوفان الأقصى" على الطاولة بنداً واحداً لا غير: "حماس هي داعش". يصبّ التسويق في الإعلام الموالي للإسرائيليين في خانة شيطنة حركة حماس وجعلها المخطئة في سياق تاريخٍ لم يبدأ في عام 1948، بل قبل ذلك بكثير، حين كان بعضهم يفكّر في كيفية إنشاء "دولة إسرائيل". هناك ألف سببٍ وسببٍ لمناهضة "حماس"، المولودة من رحم ثمانينات القرن الماضي، حين كانت التيارات السياسية الإسلامية مطلباً غربياً لمواجهة شيوعية الاتحاد السوفييتي، من أفغانستان، موئل "المجاهدين"، إلى أقاصي الأرض.
هناك ألف سبب وسبب لمناقشة سلوكيات حماس ودورها السياسي في المجتمع الفلسطيني. المآخذ لا تُعدّ ولا تحصى. إلا أن هناك سبباً واحداً فقط أدّى إلى ما أدّت إليه الأوضاع في فلسطين: إنشاء دولة إسرائيل. البداية والنهاية تكمن هنا. المرتكز الإسرائيلي المنشأ على أنقاض مئات المدن والقرى الفلسطينية، بالمجازر والقتل والتهجير، هو سبب ذلك كله، ولا شيء آخر.
تصرّف الإسرائيليون وكأن كل الشعوب المجاورة لهم ليسوا سوى "حيوانات"، وعبّر عنها وزير أمنهم، يوآف غالانت، بعبارة أوضح: "حيوانات بشرية". هم أنفسهم الإسرائيليون الذين اعتبروا إعلان الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، القدس عاصمة أبدية لإسرائيل "عودة إلى زمن الملك داود". النبي داود، المُجمع عليه بين اليهود والمسيحيين والمسلمين، اتّخذه الإسرائيليون عنواناً لمعاركهم عبر التاريخ. داود مقابل غوليات. تغنوّا به كفتى صغير الحجم واجه عملاقاً وغلبه. وقارنوا ذلك بما فعلوه في العقود السبعة الأخيرة، على قاعدة أنهم يقاتلون "عرباً برابرة" يريدون قتلهم. ولم يأتِ موقف الإدارة الأميركية في الأيام الأخيرة سوى تكريس لهذا المبدأ، خصوصاً أن واشنطن تطرّقت إلى "هدف حماس في قتل اليهود".
تناسى الإسرائيليون أن هناك آلافا من رجال الدين اليهود المناهضين لفكرة إنشاء دولة إسرائيل، بل يؤيدون قيام دولة فلسطينية شاملة. وتناسوا أن الصهيونية لا تعني اليهود، وإن ادّعت تمثيلهم. بل حافظ جميعهم، من ديفيد بن غوريون إلى بنيامين نتنياهو، وبينهم غولدا مائير وآرييل شارون ومناحيم بيغن وشيمون بيريز وغيرهم، على فكرة أنهم "داود الذي يحارب العمالقة".
"تعرفون الحقّ والحقّ يحرّركم". عبارة قالها السيد المسيح. الحقّ هنا أن شعباً اقتُلع من أرضه بالدم، لإحلال آخر مكانه. هذه حقيقة. الحقّ هنا أن قطاعاً لا تتجاوز مساحته الـ365 كيلومتراً مربعاً لم يكن الأول من نوعه الذي يعاني من الهمجية الإسرائيلية، فقد سبقته الضفة المحتلة والنقب والجليل والقدس وحيفا وغيرها. لكن التطوّر الإعلامي الكونيّ أظهر ما فعله الإسرائيليون، لا في غزّة فقط، بل في كل فلسطين التاريخية. الحقّ هنا أن حصاراً بدأ منذ أكثر من 17 عاماً، يُمنع فيه كل شيء عن سكانه. لعل الهواء وحده يتمتّع بالحرية في دخول غزّة والخروج منها. ماذا تنتظرون من شخصٍ مأسورٍ في مكانٍ ما؟ السكوت والموت بصمتٍ أم القتال؟ طبيعيٌّ أن تجاهل الإسرائيليين واستخفافهم بمآسي سكّان غزّة سيفضي إلى انتفاضةٍ واسعة. من كان يظنّ أن الإسرائيليين شعروا بالصدمة من قدرة الفلسطينيين على المقاومة، رغم حملات التدمير الهائلة، وقطع الوقود والكهرباء والماء والطعام والدواء عن القطاع؟ هوى العملاق الإسرائيلي في لحظة تحتاج مصطلحاً أكثر قوة من مصطلح "الصدمة" لوصفها. من هو داود يا إسرائيل؟ أليس الذي يحمل مقلاعاً في مكانٍ ضيّق لمواجهة جيشٍ وُصف ذات يوم بأنه "لا يُقهر".
لو لم تكن "فتح" و"حماس" ومنظمة التحرير وغيرها موجودة، لكان الفلسطينيون اختاروا تنظيمات أخرى لتمثيلهم. الحقّ جليّ: لا يُمكن قهر شعب يطالب بالحرية، وليس الفلسطينيون من يوصَمون بـ"الداعشية". الوصم ينطبق على من وصفهم بذلك حصراً.