مصطلحات سورية (الشبيحة)

22 مايو 2016

أفعال جميل الأسد أدت إلى ولادة مصطلح الشبيحة (20يونيو/2000/Getty)

+ الخط -

خلال الثورة السورية، انتقل مصطلحُ "الشبيحة" من نطاق التداول المحلي إلى نطاق الشعوب العربية، وكذلك الأوروبية. ففي الأشهر الأولى من عام 2011، كان مراسلو الفضائيات العربية في سورية يقولون، مثلاً، إن مظاهرةً حاشدة انطلقت من البلدة الفلانية، واجهها عناصرُ الأمن وحفظ النظام والمخابرات و"قطعانٌ من الشبيحة" بالعصي الكهربائية والقنابل المسيلة للدموع والرصاص الحي.. إلخ. وأذكر أن أحد الأشقاء المصريين سألني، حينما زرتُ القاهرة في إبريل/ نيسان 2013: ما تُقُلِّي يا أستاذ والنبي، الشبيحة دُول يبقوا إيه بالظبط؟ وفي إحدى القرى الألمانية، ربيع 2015، كنتُ أتحدّث، بالإنكليزية، مع صيدلاني القرية. سألني: أنت من أين؟ قلت من سورية. قال: أوه، سورية، وضعكم صعب، لأن لديكم (Jihad) و(Shabbieha).      

ليس مصطلح "الشَّبِّيحة" جديداً علينا، نحن السوريين. ففي سنة 1984، بعدما تمكّنَ القائدُ التاريخي، حافظ الأسد، من القضاء على المؤامرة الاستعمارية الإمبريالية الرجعية التي مَثَّلَها تنظيمُ الإخوان المسلمين.. وجد نفسه أمام مشكلةٍ من النوع العائلي، إذ أتاه شقيقُهُ الأصغر، رفعت الأسد، مطالباً بحصته من الدولة السورية التي ورثاها عن والدهما المرحوم، إرثاً حلالاً، مهدّداً بشق الجيش العربي السوري إلى قسمين، وتدمير مدينة دمشق عن بكرة أبيها، إن هو لم يحصل على حصته الإرثية!.. وبحكمته المعهودة، استوعب حافظُ الأسد ثورةَ أخيه، وأعطاه، كما يُقال في الأمثال، حتى أرضاه، ولكن؛... فجأةً، خرج له شقيقه الآخر جميل، مطالباً بأتعابه لقاء وقوفه إلى صفه، ضد شقيقهما رفعت، فأطلق يده على المرافئ البحرية السورية، ليجبي خَرَاجَها جبايةً حلالاً، وسمح له، كذلك، بابتكار فكرة "الشبيحة".

كانت قافلةُ جميل الأسد تتألف من ست سيارات طراز "مرسيدس شَبَح" (ومنها اشْتُقَّتْ تسمية الشبيحة)، نوافذُها سوداء (فيميه)، لا تسمح لمَنْ في خارجها برؤية مَنْ في داخلها.. كانت تنطلقُ، في الصباح الباكر، من مدينة القرداحة، باتجاه مدينة حلب، بسرعةٍ فائقة، سالكةً الطريقَ الجبليَّ المتعرج، وفي حوالي الرابعة عصراً، كانت تعود من حيث أتتْ، وبالسرعة نفسها.

لم يكن أحدٌ من أهالي المدن والبلدات والقرى المنتشرة على طول هذا الطريق ليعرف شيئاً عن حمولة هاتيك السيارات، وكانوا يخمّنون أنها تهرب الأسلحة والحشيش، إضافة إلى السجائر الأجنبية. ومع مرور الزمن، بدأ الشبيحة الموجودون في داخلها يتعرّفون على الأهالي بطريقةٍ بالغة الطرافة والظرف، فإذا ما سَهَا أحدُ السائقين عن مرور القافلة، ولم يلتجئ إلى أقصى اليمين، مفسحاً لها المرورَ بسهولة، سرعان ما تفتح السيارات زماميرها، وتشعل الأضواء الأمامية (السنيال)، وتتقدم نحوه بطريقةٍ مدربةٍ تؤدي إلى تطويقه في ثلاث دقائق، ووقتها ينزل عناصرُ السيارتين، الأولى والسادسة، المسلحون بالبواريد الروسية، ويسحبون السائق المبهوت من وراء مقوده إلى الأسفل، ويعجقون عليه بأرجلهم، ثم يتركونه، ويتابعون رحلتهم الهنيّة، من دون أن يلتفتوا إلى الوراء.. وفي أحيانٍ أخرى، كان أحد الشبيحة يفتح زجاج النافذة، ويبصق على رجالٍ جالسين أمام أحد الدكاكين، فيجاوبه شبيحٌ آخر بفتح زجاج نافذةٍ أخرى، وإفراغ مخزنٍ من الرصاص في الهواء.

ومع مرور الزمن، خرج مفهوم "الشبيحة" من نطاق قافلة جميل الأسد، وأصبح كل مَنْ يقوم بأعمال السلب والنهب والاغتصاب ومخالفة الأنظمة والقوانين مستنداً إلى أحد المتنفذين في دائرة العائلة الحاكمة يُسمى شبيحاً، وأصبح هؤلاء يحلون المشكلات المستعصية في البلاد، فمن يتعرض لاحتيالٍ من أحد أبناء بلده يبرم صفقةً مع شبيحٍ ما، يُحَصِّلُ له المبلغ ويأخذ نصفه! ومن كانت له قضية عالقة في دائرةٍ عدليةٍ، أو حكوميةٍ، يبرم صفقة مع أحد الشبيحة لتخليصها..

حاول النظامُ، في أول الثورة، تحسين صورة الشبيحة، فأطلق عليهم اسم "الجيش الوطني". ولكن الشعب السوري لم يتآلف مع هذه التسمية، وبقي يسميهم "الشبيحة" وأحياناً: قطعان الشبيحة.. والتسمية الأخيرة، في الحقيقة، أكثر دقةً وإصابةً من سابقتها.

أي نعم.

 

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...