محمد صبحي ... أقداركم من أفواهكم

31 يوليو 2023

محمد صبحي

+ الخط -

"من يستمطر اللعنات فستأتيه"... تذكّرت هذه المقولة، التي قرأتها في مقال سابق للصديق الراحل محمد أبو الغيط، عندما سمعت مداخلة الممثل محمد صبحي، بطل مسرحية "خيبتنا"، في برنامج تلفزيوني، وهو يكاد يبكي، شاكيا مما يراه ظلما يتعرّض له، وعدم تكليفه بأي أدوار في الأعمال الدرامية التي تنتجها الدولة في مصر، فاللافت أن صبحي، بطل مسرحية "البغبغان"، استخدم في مداخلته مصطلحات تتعلق بالسجون، إذ قال إنه يشعر بأنه "في سجن كبير"، وبأنه "مسجون في زنزانة انفرادية". ذلك أن هذا الشخص نفسه كان قد دعا الدولة، قبل سنوات، إلى "إغلاق مصر" فترة من الوقت، وعدم السماح بالدخول إليها أو الخروج منها! أي أن تتحوّل مصر إلى سجن كبير. واستشهد بطل مسرحية "ماما أمريكا"، بالولايات المتحدة، زاعما أنها أغلقت على نفسها لمدة ثلاثة أشهر عقب أحداث "11 سبتمبر" 2001، وأنها اتهمت جميع المسلمين بالإرهاب، داعيا إلى تطبيق هذه السياسات نفسها! ربما في إشارة إلى ضرورة اتهام جماعة الإخوان المسلمين، وكل من ينتمي إليها، أو يناصرها، أو حتى يتعاطف معها بالنظر إلى القمع الذي تتعرّض له بالإرهاب. ولذلك، ها هي دعوة الفنان الكبير قد أتت أكلها، على الأقل بالنسبة ‏إليه! إذ صار يشعر بأنه في سجن. وبالتالي، كان على بطل مسرحية "انتهى الدرس يا غبي"، أن يحتفل بنجاح دعوته وتحققها.

لم يفتح محمد صبحي فمه إلا عندما وصل الضرر إليه شخصيا، وهو نموذج متكرّر إلى حد الملل من النخبة المصرية

بالطبع، لم يكن الفنان الكبير، بطل فيلم "حالة مراهقة" يشعر بأنه في سجن خلال السنوات الماضية، رغم عشرات الآلاف من المعتقلين، وغيرهم من الممنوعين من السفر، لكنه لم يفتح فمه إلا عندما وصل الضرر إليه شخصيا، وهو نموذج متكرّر إلى حد الملل من النخبة المصرية، ولا يثير أي تعجّب، فقد سبقه عشرات غيره ممن سلكوا الطريق نفسه، وانتهى بهم الأمر إلى  النتيجة نفسها. لكن بطل مسرحية "تخاريف" كان قد تفرّد قبل سنوات، بتصريح قال فيه إنه لا يمانع في حبس أبنائه وتعذيبهم من أجل مصر! وإنه لن يعبأ بأبنائه في هذه الحالة، وسيتركهم لمصيرهم، طالبا العوض من الله! ولم يفصّل بطل مسرحية "الهمجي" كيف يؤدي التعذيب والظلم إلى رفعة البلاد وتقدّمها ونهضتها، إلا إذا كان يريد أن يقول إن المواطن يجب أن يسلك "سكة السلامة"، حتى لا يمتد الحبس والتعذيب إليه شخصيا.
مقولة أخرى ربما تعبر كذلك عن حكاية محمد صبحي، والمصير الذي انتهى إليه، هي القول المأثور "أقداركم من أفواهكم"، وهي، تحمل دلالات مهمة في هذه الحالة على الأقل، على الرغم من أن عليها خلافا بين العلماء، بشأن صحة الاعتقاد بها من عدمه. فهي تفيد بأن من يتوقع شيئا ويطالب به قد يتحقق له بالفعل.
ورغم أن القاضي ابن بهلول يقول: "لا تنطقن بما كرهت فربما.. نطق اللسان بحادث فيكون"، إلا أننا لا يمكن أن نعتبر محمد صبحي، مصداقا لهذا البيت، لأن ابن بهلول ينهى الإنسان عن أن يتحدّث بما يكره، بينما من الواضح أن بطل مسلسل "عايش في الغيبوبة" كان سعيدا جدا، وهو يطالب بتحويل مصر إلى سجن، وبدا كذلك أنه مسرور بأنه يعيش في بلد، يحتمل أن يتعرض فيه أبناؤه إلى الحبس والتعذيب، وبالتالي فهو قد نطق بما يحب، وليس بما يكره، فهنيئا له!

D90F1793-D016-4B7E-BED2-DFF867B73856
أسامة الرشيدي

صحفي وكاتب مصري، شارك في إنجاز أفلام وحلقات وثائقية عن قضايا مصرية وعربية، وكتب دراسات ومقالات نشرت في مجلات ومواقع إلكترونية.