مجرد نقطة نظام

13 يونيو 2014

تنكيت غير مهذب في حلقة من "بلا حدود"

+ الخط -
تعطيني المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي صادقت عليه الجمعية العمومية للأمم المتحدة في العام 1948، الحقَّ في أن أعبّر عن تفضيلي نانسي عجرم على هيفاء وهبي، غناءً وأنوثة (والعكس صحيح)، وتعطيني الحقَّ، أَيضاً، في أن لا أستطيب عبد الفتاح السيسي، ولا آخذ مفتي مصر السابق، علي جمعة، على محمل الجد، غير أن حقي هذا وذاك لا يعنيان، في أي حال، استحساني ما اقترفته حلقة الأسبوع الماضي من برنامج "بلا حدود" على "الجزيرة"، من تنكيتٍ سمجٍ وغير مهذّب على ثلاثتهم، تمنعني أخلاقي، أولاً، وقوانين النشر، تالياً، من إيراده هنا. وقد جرى هذا التنكيت، وكثيرٌ غيره، على الهواء مباشرة، في تهريج ضيفين، استقدمهما المذيع أحمد منصور إلى برنامجه، للهزء من الحال المصري الراهن. وعلى ما في التنكيت والإضحاك، عموماً، من متعةٍ وبهجةٍ نحتاجهما، نحن العرب، بإلحاح، جرّاء حالنا الذي نُغالب فيه مساخر لا حدّ لها، يرتكبها أهل القرار والسلطة، إلا أن ما جرى في الحلقة المذكورة راح إلى مطارحَ معيبة، في وسعنا أن نثرثر فيها بتباسط مسترسلٍ في المقاهي والمصاطب، وليس باستباحة الأثير كما نشاء.
أجاز الضيفان، وبمشاركة المضيف وإعجابه بهما، أجازا لنفسيهما تبخيس بلدٍ عربي، في مقطع من الإضحاك المتمادي في التطاول على هذا وذاك وتلك، بنكتة أَن عدلي منصور تيسّر له عقد عمل ليشتغل رئيساً مؤقتاً في هذا البلد. وكان الظن أن "الجزيرة" في منأى من أن يهوي أيٌّ من برامجها في القاع الذي صارت تقيم فيه فضائياتٌ مصرية، في التجاوز غير المحدود، وغير المسبوق، وفي غير موسم ومناسبة وواقعة. ومع التسليم بأن تلفزاتٍ أوروبية وأميركية يحدث أن "تشرشح" سياسيين كباراً في بلدانها، وتهزأ، كيفما اتّفق، من زعاماتٍ وأعلامٍ في غير شأن، وفي وسع أحمد منصور وضيفيه، وكذا الفضائية العربية الأشهر، أن يردوا بذلك على منتقدي ما سمعنا وشاهدنا في تلك الحلقة التي لم تقع على المعادلة التي تحمي التنكيت من الإسفاف، والبهجة من الرداءة، والإضحاك من البذاءة، والجرأة من الابتذال.
وأن يُقال إن كلام هذه السطور ينتسب إلى مزاجٍ محافظ، وينحاز إلى تقاليد اجتماعية يحسن تحريرها من ثقل الدم والتجهّم وافتعال الرصانة الزائدة، فإن الرد على هذا الزعم يأخذ في الاعتبار مواضعاتٍ عامة، قد لا ترضي بعضنا، من ذوي الغلوّ في الليبرالية وحريات التعبير، وهذا حقهم، غير أَن الإشكال في المسألة ليس هنا بالضبط، بل في احترام نفسك، وأنت تتكلم عن الآخرين، وأنت تجيز لنفسك أن تروح إلى الحسّاس الشخصي، والأخلاقي الفردي. ونظنُّ أن في مستطاع "الجزيرة" أن تبدع برامج غير قليلة، تكون مفرحة وباعثة على البسمة والضحك، وأن تخوض في غير شأن وحقل، سياسي واجتماعي، ببراعة في الإمساك الرائق، والراقي، بمعادلة الجاذبية والإمتاع والمؤانسة مع رسالة إعلامية بمضمونٍ يشتمل على موقف في هذه القضية أو تلك، سواءً تعلقت بمراكز اقتراع فارغة في انتخابات عبد الفتاح السيسي، أو بما هو معيشي واجتماعي، فتوفر لنا الضحك الذي كالبكاء، من فرط الدراما الثقيلة التي يكابدها ملايين العرب الفقراء والغلابة.
هي مجرد نقطة نظام هنا، يعزّز الجهر بها أن برنامجاً آخر في "الجزيرة"، حوارياً مع ضيفين اثنين أيضاً، هجا مسؤولة إعلامية في القصر الجمهوري السوري، كانت مذيعةً تلفزيونية سابقاً، بما يضرب الحياء ويبعث على الخجل، ولا أظن أن المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تجيزه، وتصنّفه في حريات التعبير. ونحسبُ أن المحطة التلفزيونية الكبرى التي نحب ليست في حاجة إلى صيغ مثل هذه من الشعبوية، لتنقذ مكانتها التي يقال، والله أعلم، إنها لم تعد كما كانت. ولا شطط في الزعم، هنا، أن خطأً غير هيّن تورّطت فيه "الجزيرة"، حينما أتاحت لشابين مصريين أن يعبثا في الكلام، بلا حدود، عن هيفاء وهبي وعلي جمعة وعبد الفتاح السيسي، وإنْ استحقت أسماء أخرى، جاءا عليها، ما ألحقاه بها من شرشحة.

 
  
 

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.