متعة مضاعفة
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية
من أهم ما يميز الأفلام الكوميدية عنصر المتعة التي من الضروري توفرها، وهذه المتعة تأتي عادة من القفشات والمواقف المضحكة وردود الفعل غير المتوقعة. ولكن، ماذا لو اجتمع ذلك كله مع إضافة قصة شائقة؟ لا بد أن المتعة ستكون مضاعفة، ويعيش المتفرّج زمناً مستقطعاً قد يستمر في ذاكرته طويلاً، إذ نتذكّر الآن أفلاماً كثيرة ومسرحيات مرّت في حياتنا، ولا يزال لبعض مواقفها حضور في أذهاننا، بل إن مقاطع بعض الأفلام والمسرحيات، وخصوصاً المصرية، أصبحت ضمن قاموسنا المتداول وجدولنا اللغوي اليومي. نتذكّر مثلاً في هذا السياق التراث المسرحي والسينمائي لكل من الفنانين عادل إمام وسمير غانم.
يعرض حالياً الفيلم الكوميدي "من أجل زيكو" من إخراج بيتر ميمي، وتأليف مصطفى حمدي، ومن بطولة كريم عبد العزيز (نجل النجم الراحل محمود عبد العزيز) ومنة شلبي، ومحمود حافظ، ومحمد محمود، ويوسف صلاح. وحقق، في بداية عرضه، إيرادات مهمة في العالم العربي. وهو يجمع بين عدة عناصر، فبالإضافة إلى قفشات الفنانين التي تجعل المتفرّج على موعد مع الضحك في أي لحظة، هناك الحكاية الشائقة التي تخرج من القاع المصري باتجاه الأمل، فللفيلم أيضاً مغزى، غير الإضحاك، مؤلم جداً، وإنْ قدّم بصورة فكاهية، إذ يعكس مختلف الطبقات في مصر، بداية من الطبقة المسحوقة جداً التي منها أبطال الفيلم، إذ يتنقلون في سيارة حمل الموتى طوال الفيلم، إلى جانب عبور الفيلم على محطّاتٍ لأصحاب الثراء الفاحش.
طفل اسمه زيكو (يوسف صلاح) يصل إلى أهله خبر فوزه بجائزة، لكونه عبقرياً صغيراً، وستسلم له جائزته في حفل بعد يومين في الواحة الصحراوية سيوة. يداعب الأمل خيالات الأم (منّة شلبي) بأن ابنها سيكون له شأن بعد أن أصبح من العباقرة القلائل وهو ما يزال صغيراً، إذ جرى اختيار الأطفال العباقرة من مدارسهم. قد تبدو القصة من هذا الجانب بسيطة ومألوفة، ولكن ما ليس مألوفاً طريقة تقديمها والفقرات التي تخللتها، فالأب (كريم محمود عبد العزيز) لا يمتلك المال الكافي للذهاب إلى واحة سيوة، ولأنه سائق سيارة مخصّصة لحمل الموتى، فلا يمكنه أخذها إلى مكان الحفل، لذلك بدت الفكرة مستحيلة بالنسبة إليه، لكنه لم يفقد الأمل نهائياً تحت إلحاح زوجته التي تعمل بدورها، ومن أجل مساعدته في تحمل صعوبة العيش، في طبخ الطعام لبعض الأسر. يتنقل الأب للاستدانة من معارفه، ومن كان يعمل معهم من قبل في أعمال يدوية متفرّقة، ويشرح لهم الظرف الطارئ، والفرصة التي لا يمكن تفويتها، لنكتشف من خلال هذا المشهد كيف أن المجتمع صار أنانياً، ولم يعد الفرد مهتماً إلا بنفسه، لذلك يرفضون جميعاً تسليفه أي مبلغ. ولكي لا يحرم ابنه هذه الفرصة النادرة، يضطر لتحميل عائلته، والده وأخيه وابنه وزوجته، في سيارة حمل الموتى، التي تحمل بدورها دلالتها غير الخافية على المشاهد. وفي الطريق، تقع لهم مواقف كثيرة.
ينتظر مشاهد الفيلم، وهو يتابع رحلة العائلة إلى سيوة، أن يصل زيكو إلى المكان المقصود، ولكن ما حدث، وربما هذا من حسن حظ الطفل، أنه لم يكن المقصود بالدعوة، بل طفل آخر من عائلةٍ غنيةٍ اعتذرت عن الحضور. ولكن الأم التي تعودت في حياتها على فقدان الأمل، تتصلب وترفض الانهيار أمام مشهد العبث بأحلامها، لذلك حمّلت منظّمي الحفل المسؤولية كاملة وأحدثت ضجة، ورفضت أن تنسحب، قبل أن يسمحوا لابنها بالمشاركة. ولكن الطفل لم يستطع أن يجاري أسئلة المسابقة، المفترض اختيار واحد من المشاركين فيه لتمثيل بلدهم في الخارج. ولكنه استغل حضوره، حين ملّ من أسئلة الرياضيات الصعبة التي كان غير موهوب فيها، بأن أظهر موهبة أخرى؛ الغناء، وكان من قبل يؤديه فوق سطح منزلهم. ينتهي الفيلم بهذه المفاجأة التي كانت اثنتين، إحداهما صوت الطفل الذي غنى أغنية جميلة، جعلت مدير الفرقة المصاحبة للحفل يجفل، ثم يتبنّى موهبته ويرعاها.
وكان دور منة شلبي لافتاً، فقد بدت في الفيلم كأنها عادت بعد انقطاع، عودة موفقة.
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية