ما فعله ويجز في باريس

22 يونيو 2022

مؤدّي الراب المصري ويجز في حفلة غنائية في باريس (انستغرام)

+ الخط -

ثار جدل كبير على وسائل التواصل الاجتماعي، بعد ظهور مؤدّي الراب المصري ويجز في حفلة غنائية في باريس، رفع فيها العلم الفلسطيني ثم ارتدى الكوفية الفلسطينية. كان ظهوره مثيرا للجدل. أيدت أغلبية التعليقات ما فعله، ورأت فيه كثيرا من الشجاعة والإخلاص، ولكن تعليقات ساخرة سفّهت ما فعله، رأت أن الجهاد أو النضال الحق فقط هو الجهاد المسلح أو المواجهة المباشرة، وأن ما فعله ويجز لا قيمة له. وفي وجهة نظري، كانت بادرة عظيمة وشجاعة، فالمغني الشاب يمتلك شعبية كبيرة في أوساط الأجيال الجديدة، واستطاع في سنوات قليلة أن يكوّن له جمهورا ضخما، وذلك بغض النظر عما يقوله في أغانيه وعروضه التي قد يختلف بعضنا معها، ولكن أحدا لا يستطيع إنكار شعبيته الكبيرة أو تجاهلها ضمن الجيل الجديد، وتفوقه على عديدين من أقرانه.

ويجز مغنٍّ، أو مؤدّي راب مصري، اسمه الحقيقي أحمد علي، من مواليد محافظة الإسكندرية عام 1998، أصوله صعيدية من محافظة الأقصر، ويعتبر المغنّي المصري الأكثر استماعا على "سبوتيفاي"، في 2020 /2021. أحدثت أغاني راب له جدلا كبيرا في مصر، بسبب اختلاف المحتوى عن غيره من أقرانه، وكانت أغانيه تحظى بانتشار غير مسبوق في أوساط الشباب والمراهقين.

تذكير شباب عربي أو أوروبي بالقضية الفلسطينية فعل إيجابي، وله تأثير عظيم، فربما قد يفاجأ بعضهم في مصر، عندما يعلم أن القضية الفلسطينية ليس لها صدى في الغرب، كما هي داخل "بعض" بلادنا العربية، وقد يفاجأ بعض الشباب المصري إذا علم أن غالبية سكان كوكب الأرض لا يدرك كثيرا عن القضية الفلسطينية، ولا عن حقوق الشعب الفلسطيني ومعاناته، ولا ما يدور في تلك البقعة، ولا عن أصل المشكلة.

بادرة عظيمة وشجاعة، فالمغني الشاب يمتلك شعبية كبيرة في أوساط الأجيال الجديدة، واستطاع في سنوات قليلة أن يكوّن له جمهورا ضخما

يعلم هذا أكثر مني المقيمون في الولايات المتحدة والدول الأوروبية، ففي بعض رحلاتي قديما للولايات المتحدة أو دول أوروبية، لم يكن صعبا أن ألاحظ أن لليهود، بشكل عام، انتشارا كبيرا ونفوذا في قطاعات مهمة ومؤثرة كثيرة في العالم، أما إسرائيل "كدولة" فلها وجود كبير وانتشار واسع، في المجالات العلمية والصناعية والتجارية وحتى الثقافية والفنية. أتذكّر أنني في مرة أظهرت مشاعر الاستياء، عندما وجدت أن أسواق إحدى الدول الأوروبية مليئة بالمنتجات والمحلات الإسرائيلية، ودخلت نقاشات عديدة مع أناسٍ لا يستوعبون لماذا أنفر من منتجات دولة ما، وكان حديثي عن تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي غير مفهوم لديهم، وكأن كائنا من المرّيخ يتحدث. كذلك أتذكّر أنه كان للطلاب الإسرائيليين، في الندوات وحلقات النقاش والمناسبات البحثية التي كانت تعقد في الولايات المتحدة أو الدول الأوروبية بعد ثورات الربيع العربي، وجود منظّم، يتحدّثون بمظلومية مقنّعة، وبعضهم يجهش في البكاء عند الحديث عن كيف يعيشون في رعب في إسرائيل، بسبب "المجموعات الإرهابية" الفلسطينية التي ترفض السلام، على حد تعبيرهم. لذلك تجد نسبة ليست قليلة متأثرة بالدعاية الإسرائيلية، ونسبة أكبر لا تكترث للأمر برمته، أو لا تعلم عن أصل المشكلة أو لا تبالي.

المخيف ليس في جهل المواطنين الأوروبيين والأميركان بجذور الصراع العربي الإسرائيلي أو تأثرهم بالبروباغندا الإسرائيلية، فهذا ربما يكون متوقعا وليس عجيبا في ظل التغلغل الإسرائيلي في دوائر صنع القرار الغربي، وسيطرتهم على رؤوس الأموال وصناعة الإعلام، بالإضافة إلى الدور المعروف لجماعات الضغط والمصالح الصهيونية في العالم، لكن المشكلة الأكبر بالنسبة لنا هو الجيل العربي الذي لا يرى غضاضة في التطبيع مع الكيان الصهيوني، ولا يعي طبيعة الصراع العربي الإسرائيلي. فإذا كانت هناك مصالح قوية بين الولايات المتحدة وأوروبا من جانب وإسرائيل من جانب آخر، تؤثر في وعي المواطن الأميركي أو الأوروبي، فما الذي جعل عربا لا يعيرون للقضية اهتماما؟ وما الذي يجعل حكومات، وأيضا نسبة ليست قليلة من المواطنين العرب، لا يرون مشكلة أو خجلا من التطبيع والتعاون الوثيق والعلاقات الحميمة مع إسرائيل، بل هناك تنظيرات أصبح لها جمهور وشعبية تعتبر أن المصلحة والتقدّم والحماية من الخطر الإيراني سيكون عن طريق التعاون التام مع إسرائيل، فليس خافيا على أحد الزيادة الطردية في التعاون والتطبيع العربي الإسرائيلي.

رفع مؤدي الراب المصري ويجز العلم الفلسطيني وارتداؤه الكوفية الفلسطينية في باريس من أنواع المقاومة

طبّعت حكومتا الإمارات والبحرين بشكل كامل، وأصبح للإسرائيلي أفضلية أكثر من العربي، بدعوى حماية أمن الخليج من الخطر الإيراني، وهناك أيضا المغرب أخيرا، والسودان منذ فترة، فالحكومات العربية تغيرت قناعاتها لتعتبر إسرائيل حليفا استراتيجيا ومفتاح العلاقات الغربية والدعم الأميركي. ولذلك أصبحنا نرى أجيالا جديدة لا ترى مشكلة في التعاون والتطبيع مع الصهاينة.

ولذلك، رفع ويجز العلم الفلسطيني وارتداؤه الكوفية الفلسطينية في قلب باريس فعل إيجابي ومن أنواع المقاومة، وليس خافيا على أحد أن كثيرين يتعرّضون لتضييق بعد مثل تلك الإشارات أو التضامن، فمثلا رفع أعضاء فرقة هاتاري الأيسلندية عام 2019 العلم الفلسطيني داخل تل أبيب في أثناء إعلان النتائج، تبعته عاصفة من الاستياء داخل إسرائيل، وجرى اتهام الفريق في وسائل الإعلام بدعم الإرهاب ومعاداة السامية. وبعد ذلك، فرض منظمو مسابقة يوروفيجن غرامات على أيسلندا. وفي روما عام 2018، رفع قائد فريق بينك فلويد الإنكليزي، روجرز ووترز، العلم الفلسطيني على الشاشة التي تزيّن المسرح، فأثار غضب مغرّدين عديدين ووسائل الإعلام الداعمة لإسرائيل، ولكن روجر ووترز لم يكتف بذلك، بل صوّر نفسه حاملا العلم الفلسطيني خلال تعاونه مع فرقة تري - جبران الفلسطينية.

أنشطة حركات مقاطعة إسرائيل كذلك، وأنشطة كثيرة في العالم، تهدف إلى التوعية بالقضية الفلسطينية أو دعمها شعبيا، أنشطة لها أهمية كبيرة، ولا يجب التقليل منها، فهي قد لا تجرؤ الحكومات العربية على فعلها، ولهذه الأسباب، ما فعله ويجز في باريس فعل عظيم.

DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017