ما بعد الاعتداء على رئيس الائتلاف السوري
يثير حادث الاعتداء الذي تعرّض له رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، سالم المسلط، الأسبوع الماضي، في مظاهرات ما يعرف بالحراك الشعبي، في أعزاز (ريف حلب)، الأسئلة، لأنه ليس الأول. فقد سبق لمتظاهرين أن طردوه من مظاهراتٍ في المنطقة نفسها الخارجة عن سيطرة النظام. وفي الحالين، أعلن المتظاهرون أنهم لا يرحّبون بممثلي "الائتلاف"، الذي من المفروض أنه يمثل "قوى الثورة والمعارضة"، حسب المبرّر الذي تشكل من أجله في نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، حينما كانت الثورة السورية في أوجها وهي تطالب بإسقاط النظام، وفرضت الحاجة نفسها إلى هيئةٍ تمثل الثورة أمام جماهيرها والعالم الخارجي، وتكون مستعدّة للمشاركة في الحكم في اللحظة التي يسقط فيها النظام.
تجري المظاهرات على أرضٍ يطلق عليها، بالتسمية الدارجة، صفة "المحرَّر"، أي الواقعة تحت سيطرة الفصائل العسكرية في "الجيش الوطني" و"الحكومة المؤقتة"، التي يشكّلها ويشرف عليها الائتلاف الوطني. وبالتالي، يزور المسلط منطقة تقع في دائرة سلطته، ولا مبرّر لما تعرّض له، وقبله الرئيس السابق للائتلاف، نصر الحريري، سوى حالة من الاحتقان السياسي والفوضى العامة التي تعيشها هذه المناطق، التي حوّلها الروس والنظام إلى سجون واسعة يتكدّس فيها عدة ملايين من السوريين، هُجِّر القسم الأكبر منهم من محافظاتٍ أخرى، مثل درعا وحمص وريف دمشق وحلب. وما يميّزها أنه لا توجد فيها مرجعية قانونية، وتفتقر إلى أبسط مقومات الاستقرار، من أمن، وعمل، وتعليم، وطبابة، بالإضافة إلى انعدام الأفق السياسي.
استمرّ "الائتلاف" على قيد الحياة، من بين كل المؤسّسات التي تشكّلت من أجل تمثيل السوريين الذين ثاروا على النظام ومساعدتهم، وضمرت الهيئات الأخرى، مثل الهيئة العليا للمفاوضات لقوى الثورة والمعارضة السورية، واللجنة الدستورية، بسبب رفض النظام وروسيا وإيران الدخول في عملية تفاوض جدّية من أجل حل دبلوماسي، حسب قرارات الأمم المتحدة، وجديدها أخيراً 2254. وعلى الرغم من أنه لا أحد يحسب لـ"لائتلاف" حساباً من السوريين وغيرهم، ويعتبره الجميع رقماً ميّتاً، فإن بابه لا يزال مفتوحاً في إسطنبول، ويلتقي، من حين إلى آخر، بعض الوفود الدولية التي تزور تركيا، من أجل البحث في الملف السوري.
يكتفي "الائتلاف" بهذا الدور، ولا تريد له الأطراف المتحكّمة بالملف السوري سوى ذلك. ويدرك السوريون، منذ حوالى أربع سنوات، حينما بسط الروس سيطرتهم على ما تسمّى "مناطق خفض التصعيد"، أنه لم يعد لـ"الائتلاف" أي دور فعلي، أو مفعول، سوى الحضور شاهداً متفرّجاً على ما يجري في مفاوضات أستانا الثلاثية بين روسيا وتركيا وإيران، وهو ما جعل أغلبية جماهير الثورة السورية تعتبره جسماً ميتاً، إلا أن هذا لا يبرّر الاعتداءات التي تعرّض لها ممثلوه، كذلك فإنه لا ينطلي على أحد أنها ردود فعلٍ على موقفه غير الواضح من الخطوات التركية للتطبيع مع النظام، لأن هذه المسألة لم تكن مطروحةً، حينما جرى تخوين نصر الحريري وطرده من المظاهرات في الداخل السوري. وبات واضحاً أن هناك نقمة على "الائتلاف" وممثليه ذات أسباب راهنة وبعيدة، منها تحوّله إلى هيكل فارغ، وما يحصل ويتكرّر في مناطق "المحرّر" من تجاوزات وفلتان سياسي وأمني وعمليات اغتيال للناشطين، يتجاوز أزمة "الائتلاف" ليعبّر عن حالة إحباط عام في المناطق التي تقع تحت سيطرة سلطة الفصائل العسكرية، التي لم تتمكّن من تقديم نموذج أمني وسياسي يحقّق حدّاً أدنى من الاستقرار والحماية للملايين التي تعيش في هذه المنطقة الضيقة، ما يستدعي أن يفكّر السوريون في بناء جسمٍ جديدٍ برؤية سياسية، وفق ما تتطلب التطوّرات التي شهدتها المسألة السورية، ما بعد سقوط مدينة حلب بيد الروس في نهاية عام 2016، ودخول الثورة في نفق التسويات التي جعلتها تخسَر كل رصيدها.