ماذا يعني رفع حظر السلاح عن الصومال؟
صوّت مجلس الأمن، في الأول من الشهر الحالي (ديسمبر/ كانون الأول) بالإجماع على القرار رقم 2714 برفع حظر الأسلحة على الصومال، والذي فُرض أول مرة في العام 1992، ردًّا على اندلاع الحرب الأهلية في مقديشو وتدهور الوضع الإنساني في الجنوب عمومًا، والذي بموجبه تدخلت الولايات المتحدة في العملية المشؤومة التي سُمّيت "إعادة الأمل".
مرّ حظر الأسلحة على الصومال بعدة انعطافات رئيسية؛ ففي يونيو/ حزيران 2001 سمح قرار مجلس الأمن رقم 1356 بإعفاءات من الحظر لإمدادات المعدّات العسكرية غير الفتّاكة لدعم الحكومة الانتقالية التي انبثقت من مؤتمر عرتا سنة 2000 في جيبوتي. وبمرور الوقت، بدأ مجلس الأمن جزئيًا رفع الإجراءات المفروضة على قوات الأمن الصومالية. لكن ما مثل عمليا تغيّرا في نهج حظر الأسلحة على الصومال هو السماح للهيئة الحكومية الدولية للتنمية (إيغاد) بنشر قواتها في 2007 في الصومال، لتثبيت حكم الحكومة الانتقالية وقتها في العاصمة مقديشو، وتسليح القوات التابعة للحكومة.
وبموجب قرار مجلس الأمن، من المقرّر أن تتبنّى الهيئة المكونة من 15 عضوا قرارين صاغتهما بريطانيا، أحدهما لرفع حظر الأسلحة الكامل عن الصومال، والآخر لإعادة فرض حظر الأسلحة على حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة. وبشهادة تقارير دولية وأمنية عديدة، وقعت أسلحة دولية كان قد جرى إرسالها إلى الحكومة الصومالية بيد حركة الشباب. ولذلك جاءت في التعديلات التي أجريت في قرار مجلس الأمن محاولة خجولة لاستدراك وقوع هذه الأسلحة بيد الحركة، وذلك بالقول إنه "تجنبا للشك، لا يوجد حظر على الأسلحة مفروض على حكومة جمهورية الصومال الاتحادية، لكننا نعرب عن قلقنا على مرافق تخزين الذخيرة الآمنة في الصومال، ونشجع بناء وتجديد واستخدام مستودعات آمنة للذخيرة في جميع أنحاء الصومال".
حظر الأسلحة كان موجّهًا، في الدرجة الأولى، لتقليل تأثير المليشيات والفصائل العشائرية على المدنيين
ما يميّز الإدارة الحالية عن الحكومات الصومالية السابقة ربط القضية بدعوى القضاء، الحاسم، والآني على حركة الشباب الإرهابية بشكل أكثر تحديدا. لكن ما يجدر الانتباه إليه أن حظر الأسلحة كان موجّهًا، في الدرجة الأولى، لتقليل تأثير المليشيات والفصائل العشائرية على المدنيين. على الرغم من تجاوز البلاد مشكلة المليشيات العشائرية نسبيًا، فإن العوامل التي أدّت إلى ظهورهم ما زالت قائمة، وكذلك، لا يزال تأثير الحظر محدودا على الحدّ من النزاعات المحليّة.
ما يجدُر الانتباه إليه في هذا السياق أن حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على البلاد كان لديه تأثير محدود على الحدّ من النزاعات المحلية، وكان السلاح يتدفق من منافذ مختلفة، خصوصا من دول الجوار التي جعلت الصومال ساحة لتصفية الحسابات الخاصة بها، من خلال دعم أمراء الحرب المحليين الذين كان بعضهم وكلاء لإثيوبيا، وبعضهم لمصر، في التسعينيات على سبيل المثال، وتفاقمت ظاهرة تهريب الأسلحة إلى الصومال باندلاع الحرب الطاحنة بين إثيوبيا وإريتريا بين 1998 و2000.
قد يعني قرار مجلس الأمن تدفق مزيد من الأسلحة إلى حركة الشباب وغيرها
ولهذا، شكّل مجلس الأمن مجموعة تابعة للأمم المتحدة لمراقبة الصومال وإريتريا، ذكرت في تقرير لها في العام 2016 أن مصادر الأسلحة اللامشروعة المهرّبة إلى الصومال من الخارج هي إيران وليبيا وكوريا الشمالية والسودان. وقد واجهت الأمم المتحدة تحدّيات حقيقية في فرض حظر فعّال على توريد الأسلحة، حيث عانت من صعوباتٍ في مراقبة تنفيذ هذا الحظر نظراً إلى الموارد المحدودة المتاحة لهذا الغرض. بالإضافة إلى ذلك، تتسبّب مشكلة تبادل المعلومات بين مختلف وكالات الأمم المتحدة في مشاركة المعلومات المتعلقة بالانتهاكات المحتملة لحظر الأسلحة. كما ظهر تحدّ آخر، تمثل في التباين في تطلعات الدول الأجنبية الأخرى في تأمين مياه خليج عدن، فللعديد من تلك المبادرات الخاصة بفرق العمل البحرية في المنطقة أجندات مختلفة، ولا تأخذ المصالح الصومالية في الحسبان بالضرورة. وتلجأ القوات البحرية الأجنبية التي لها منشآت عسكرية في جيبوتي إلى صرف النظر عن تهريب الأسلحة عبر البحر الأحمر، لأسباب مختلفة. وعلى الرغم من انخفاض وتيرة القرصنة قبالة سواحل الصومال؛ فإن قرار الاتحاد الأوروبي تمديد عملية أتلانتا، قبالة سواحل الصومال، لا يُظهر سوى التزامه بالأمن بما لا يتجاوز القرصنة.
لقد سعى الرئيس الحالي، حسن الشيخ محمود، في فترته الرئاسية السابقة (2012 -2016) إلى رفع حظر السلاح عن الحكومة الصومالية بدعوى هزيمة حركة الشباب الإرهابية. وتشنّ حركة الشباب تمرّدًا عنيفًا ضد الحكومة الصومالية منذ عام 2006 في محاولة لإقامة حكمها الخاص على أساس تفسير صارم للشريعة الإسلامية. لكن محمود وخلفه محمد فرماجو، واجها رفضًا قاطعًا لهذا الأمر من مجلس الأمن. وقد يعدّ رفع حظر الأسلحة عن الصومال إنجازًا سياسيًا للرئيس حسن شيخ محمود، الذي صرّح بأنه بحاجة لعام فقط لتطهير البلاد من حركة الشباب، مع اقتراب الموعد النهائي لمغادرة قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي في العام المقبل. وللأسف، قد يعني قرار مجلس الأمن، أيضًا، تدفق مزيد من الأسلحة إلى حركة الشباب والفرقاء المحليين الآخرين، إذا ما لم تجر إعادة هيكلة النظام الأمني الصومالي المخترق من حركة الشباب، حسب تقارير أمنية عديدة متخصصة. وهذه المسألة هي الفيل في الغرفة.