ماذا نريد أردنيّاً؟
في وقت بدأت المياه الحزبية الراكدة تتحرّك في الأردن، وأصبحنا نشاهد حراكاً شبابياً مهماً ونشاطاً حزبياً غير مسبوق، سواء على صعيد الأحزاب القائمة أو التي تتشكّل، إلّا أنّ المناخ السياسي ما يزال مغلقاً، إن لم نقل إنّه يزداد انغلاقاً، بما يشمل ملف الحرّيات العامة والإعلامية وحقوق الإنسان، وكل ما يمسّ الأسس التي لا يمكن أن تنبني الحياة الديمقراطية بدونها!
ثمّة أسئلة رئيسية من دونها لا يمكن القول إنّنا سننجح أردنياً في المضي في خريطة الطريق التي وضعها النظام نفسه، ولم يجبره أحدٌ عليها؛ ويتمثّل السؤال الأول والرئيس الذي لا بد من حسمه على مستوى النظام بمؤسساته كافّة: هل نريد، في نهاية اليوم، الالتزام بالمسار الذي وضعته لجنة تحديث المنظومة السياسية، وصولاً إلى حكوماتٍ برلمانيةٍ حزبيةٍ تتداول السلطة والحكم، وأحزاب تتداور بين مواقع الحكومة ومقاعد المعارضة؟
إذا كان الجواب لا، فلا داعي، إذن، لاستنزاف رصيد النظام والدولة والرموز السياسية في لعبة بائسة لن تنتهي (بالمناسبة) بأن يقتنع الناس بأنّ الأحزاب السياسية فاشلة، أو غير قادرة على العمل. لا أظن أنّ النتيجة ستكون تعزيز الفجوة وتجذير عدم الثقة بين مؤسسات الدولة والشارع، ما قد ينتهي إلى نتائج خطيرة. وبالتالي، ما نقوم به اليوم كمن يطلق النار على نفسه وهو يحاول أن يلعب بالسلاح!
أمّا إذا كان الجواب: نعم، نريد أن نصل إلى الحكومات الحزبية والتعدّدية السياسية وتداول السلطة، فإنّ واقع الحال لا يشي بهذه النية ألبتة؛ ولو قُدِّر لمتخصص وخبير في عمليات التحوّل الديمقراطي أن يراقب اللحظة الأردنية؛ سيخرج بنتيجة إما أنّ هنالك حالة من الشيزوفرينيا السياسية، فنتحدّث عن الديمقراطية ونقوم بخطوات معاكسة أو أنّ هنالك عدم وضوح والتباساً واضطراباً في تحديد المسار المقبل وماذا نريد حقاً.
أتخيّل في أوقاتٍ كثيرة أنّ المسار السياسي الراهن، أردنياً، مثل روبوت (رجل آلي) تلقّى تعليمات متضاربة، فهو يسير في الاتجاه اليسار ثم اليمين ثم يعود إلى المكان نفسه، وربما يضرب نفسه في بعض الأوقات، وبالتالي، تبدو حركاته لكل من يراقب حركته ويتابعها غير مفهومة ولا مدروسة!
سيقول بعضهم إنّ المسألة واضحة؛ فالنظام الأردني، مثل الأنظمة العربية الأخرى، يريد أن يمارس اللعبة الديمقراطية بعد تجويفها من القيم والمعايير الحقيقية لها (ديمقراطية شكلية)؛ وهذا قد يكون صحيحاً لو كان قبل اللجنة الملكية التي لم يُلزم أحد النظام بها، وجاءت بخطواتٍ، تشريعياً، غير مسبوقة، وأدت إلى حركة هائلة على صعيد تشكّل الحالة الحزبية وتشجيع الشباب على الانغماس في الديمقراطية والحياة السياسية، ما وصل إلى المناهج التعليمية والجامعات والتشريعات والسياسات.
إذا أردنا بناء خلاصاتٍ مما ذكرناه سابقاً، فإنّ هنالك نقاطاً مهمة ورئيسية تحتاج إلى تفصيل وحوار. الأولى أنّ هنالك إرادة غير مسبوقة، على صعيد رأس النظام، بالانتقال باتجاه حكومات حزبية خلال إطار زمني في عقد، لكن في الوقت نفسه هنالك هواجس ومخاوف لدى مؤسّسات النظام من الانحراف في الاتجاه، ما يؤدّي إلى ما حدث في تجارب عربية أخرى، بخاصة ما يتعلق أردنياً أولاً بالمخاوف من أجندة الحركة الإسلامية، وثانياً من هواجس التيار اليميني بخصوص ما يسمّى "الوطن البديل"، بخاصة مع وجود أجندة إسرائيلية اليوم خطيرة، والتحوّل استراتيجي هناك تجاه الموقف من الأردن والنظام الهاشمي.
النقطة الثانية أنّ هنالك تضخيماً وتكبيراً في حجم تلك الهواجس (من المعارضة السياسية) بما يهزّ مصداقية المسار الإصلاحي نفسه، وهنالك قلق مبالغ فيه من نتائج الديمقراطية، ولا يوجد، في المقابل، حوار صحيح وعميق بين النخبة الانفتاحية في النظام والمعتدلة في المعارضة، بما يؤدّي إلى تحسين المسار الديمقراطي ومناخ الحريات وحقوق الإنسان، لأنّ القاعدة الذهبية والأساسية أنّ الديمقراطية لا تنبُت في أرض جرداء، فهي تتأسّس على منظومة صلبة من الحريات وحقوق الإنسان ومفاهيم المواطنة وسيادة القانون والحرية الإعلامية والتفاهم بين الحكم والمعارضة.