ماذا بين حماس ودحلان؟
لمّا سألوه، في تلفزيون فلسطين (الرسمي) هاتفيّاً، بشأن اتّهام حركة حماس له بالمسؤولية (المباشرة) عن محاولة اغتيال رئيس الوزراء الفلسطيني في حينه، إسماعيل هنيّة، عند معبر رفح، ردّ محمد دحلان بأن هذا شرفٌ لا يدّعيه. ثم ذاع إن قولتَه تلك زلّة لسان، وقد نصح "حماس" بالتعقّل، واتّهمها بمحاولة التغطية على "جرائم قتلٍ يومية" ترتكبها في غزّة. كان هذا في ديسمبر/ كانون الأول 2006، أي قبيْل ذهاب الأزمة إيّاها إلى الصراع المسلّح غير المنسي، والذي نعت دحلان في إبّانه، ولم يكن سوى نائبٍ في المجلس التشريعي (وما زال) ومستشاراً للأمن القومي الفلسطيني، حركة حماس بأنها مجموعةٌ من القتلة واللصوص... منذ تلك الغضون إلى لقاء رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنيّة، قبل أيام (في الدوحة) مع دحلان، الذي تتخيّر وسائل الإعلام أيّا من صفتيْه، المفصول من حركة فتح أو زعيم "التيّار الإصلاحي في حركة فتح"، تدافعت وقائعُ وفيرةٌ في الملعب الفلسطيني، منها انهيار الحلف الذي كان متيناً بين الرئاسة الفلسطينية ودحلان، فبات الأخير الذي خلع عليه جورج بوش مرّةً وصف "القائد الصلب" محكوماً عليه بالسجن سنتيْن، بتهمة "ذمّ مؤسّسات الدولة (الفلسطينية) وتحقيرها"، ولم يزبُط استصدارُ محكمة جرائم الفساد حكماً عليه بتهمة اختلاس نحو 20 مليون دولار من المال العام، وذلك في أثناء مقام الرجل في أبوظبي التي بثّ منها (بالفيديو كونفرانس) كلمتَه إلى مؤتمرٍ لتيّاره (الإصلاحي) في ساحة غزّة، أجازت سلطة حركة حماس تنظيمَه في فندق المشتل في 2021. ومن وقائع هذه الأعوام أيضاً أن "حماس" صارت تتّصف بالحِلم، وبفائضٍ من التسامح مع غريمها "قائد الانقلابيين" وأنصارِه، فلا تُجيز فقط لذلك المؤتمر أن ينعقد، وإنما أيضاً لا تسمح للفتحاويين في القطاع بتنظيم مهرجاناتٍ خطابيةٍ سنويةٍ في ذكرى استشهاد ياسر عرفات.
مألوفٌ في فنون السياسة وأعرافها أن تنزاح الخصوماتُ الحادّة وتتقدّم المصالحاتُ في مواقيت تستدعي هذا، وأن يُعيد من يشاء تموقعاتِه من تحالفٍ إلى آخر، وأن تُستبدَل الرّهانات في ظرفٍ ما بأخرى قد تكون معاكسةً في ظرفٍ آخر. ولكن واحدَنا عندما يسمع القيادي في "حماس"، محمّد نزّال، يفسّر (أو يبرّر؟)، على شاشة التلفزيون العربي، لقاء هنيّة دحلان بأن الحركة منفتحةٌ على الجميع، يأتي إلى بالِه سؤالان: أولهما عن الدواعي السياسية والوطنية (ولا نقول الأخلاقية) لدى "حماس" في توجّهها هذا، فإذا كانت قصّة الانفتاح هذه قابلة للصرف (وهي ليست كذلك) في طوْرٍ سابق، فإنها في أتون حرب الإبادة في غزّة، وفي سياق ما ينطبخُ من ترتيبات ما بعد الحرب، تستثيرُ بعض الريبة. والسؤال الثاني بشأن استعصاء التلاقي بين "حماس" وحركة فتح (ورئاسة السلطة الفلسطينية)، سيّما في ظروف الحرب، فقد زار الدوحة قبل أيام الرئيس محمود عبّاس، ولم تلتقِ به قيادة "حماس"، ما دلّ على ازورارٍ ظاهرٍ لدى كل جانبٍ تجاه الآخر، وقد قالها عضو المكتب السياسي للحركة، موسى أبو مرزوق، لـ"إندبندنت عربية"، إن قيادة "حماس" لا تريد اللقاء مع عبّاس وفريقه "لتحريضهم على غزّة ومواقفهم السلبية". ومع تفهّم وجاهة الغضب (اللازم والضروري) من عبّاس، لسوء أدائه، إلا أن سؤالاً يبقى في البال بشأن فائض الصفح مع دحلان وفريقه، لدى الحركة التي جاء اجتماع رئيس مكتبها السياسي مع الرجل بعد لقاءاتٍ في القاهرة والدوحة، في الأسابيع الماضية، بين قياديين في الحركة و"التيار الإصلاحي"، لا سيّما أننا لا نقع على أيِّ تواصلٍ (رسمي) بين "فتح"، المكوّن الأساس في السلطة، و"حماس"، بالتوازي مع مباحثاتٍ مع دحلان وأوساطه، خيضَ فيها في "حكومة كفاءات" فلسطينية بعد العدوان، فنكادُ نلحظ مستوىً من التحالف بين الحركة المجاهدة والرجل الذي اتّهمه عبّاس مرّةً، في أثناء حرب الاتهامات بينهما، بمعاونة إسرائيل في قتل القيادي في "حماس"، صلاح شحادة، (و20 فلسطينياً معه) في عام 2002 في غزّة.
هناك قُطبةٌ مخفيّة في حماس حركة المقاومة الإسلامية تجاه هذه المجموعة دون غيرها ممن في الملعب الفلسطيني الذي تنشط فيه قوى وشخصيات نزيهة ونظيفة، وليس في أرشيفها شيءٌ مما يشابه ما جاءت السطور أعلاه عليه (بإيجاز). ولأن الظرف الفلسطيني شديد الحساسية، وسيزداد حساسيةً بعد انتهاء العدوان (وفشله إن شاء الله)، فإن "حماس" مدعوّةٌ إلى أن تكون أكثر صراحة، فلم نقبض قصّة "الانفتاح على الجميع".