لن أنشق عن طائفتي
لا أريد أن أنشق عن طائفتي، ولن أستجيب لدعوات السادة والرفاق المثقفين، العلمانيين، الليبراليين، التقدميين، للانشقاق عن الطائفة. هناك أسباب عديدة لاتخاذي هذا الموقف؛ منها كوني رجلاً أحبُّ الوحدة، والاندماج، والانسجام، والتكامل،.. ولا أحب الفُرْقةَ، والشِّقَاقَ، والانشقاق.
كنا، في بداية الثورة، نرى الضابطَ الذي يريد أن ينشق عن الخدمة العسكرية في الجيش السوري يَجلِسُ ضمن كادر تلفزيوني، ويضع هويته العسكرية في مواجهة الكاميرا، ويقول: أعلنُ انشقاقي عن جيش النظام المجرم، وهذه هويتي. وبالنظر إلى أنني لا أمتلك هويةً تشير إلى كوني أخدم في السِّلك الطائفي؛ فإن انشقاقي لا يمكن أن يكتمل، بسبب نقص الوثائق.
عانينا، في تلك الأيام الأولى، من رُهاب الفَرز الطائفي. صار الواحد منا؛ نحن الذين كنا في السابق نتعالى على مثل هذه الأحاديث (السخيفة)، يمشي ويتلفت كعصفور دوريٍّ، خشيةَ أن يَضبطه أحدٌ من رفاقه متلبساً بالتعاطف مع طائفته، ومناصبةِ أبناء الطوائف الأخرى العداءَ، لمجرد كونهم ينتمون إلى الطوائف الأخرى.
فوجئتُ، ونحن في غمرة حَملِنا شعار (الشعب السوري واحد)، بـ "هاشتاغ" على "فيسبوك" عنوانه "الثورة السنِّيّة ضد النظام النصيري". استفزني هذا الكلامُ، فأخذتُ "الهاشتاغ" ووضعتُه على صفحتي، وكتبتُ ما معناه أن هذا الكلام عيب، ومخالف لطبيعة ثورتنا الشاملة. وإذا بصديق لي من طائفة أخرى يقرؤه؛ من دون أن يقرأ تعليقي عليه، ويرسل إليَّ رسالة يقول لي فيها: إنه لمن غير اللائق أن تتبنى أنتَ، يا صديقي خطيب، هذا المنطق الطائفي.
ودارت الأيام، ومرّت الأيام، وتطورت الثورة، وتعاظمت الأحداث، وإذا بالخجل والثلج يذوبان، وبدأ (الشباب) يعودون إلى رشدهم، ويلتحقون بطوائفهم، من دون ضغط أو إكراه أو إحراج. صار العَلوي يزعم أنه ليس مع النظام، ومع ذلك، يتجاهل أن ما يحدث ثورة شعب كامل خرج في المدن السورية الكبرى والصغرى بالملايين، ويرى أن من حقه أن يتساءل: ما هذه الثورة العرعورية (نسبة إلى الشيخ عدنان العرعور)؛ الإسلامية التي تخرج من الجوامع، ويُطلق قادتُها لحاهم، ويرتدون الثياب الباكستانية الغريبة عن سوريتنا الحبيبة؟ وما هذه المعارضة التي تجلس في إسطنبول، وتتمول من قطر والسعودية وأميركا؛.. أميركا، ما غيرها، زعيمة الاستعمار والإمبريالية؟ وحمَلَ الشيعي الطبعة الكربلائية، وانزوى في قريته منتظراً التعليمات القادمة من المرشد العام، ومن السيد حسن، ونظام الأسد لينفذها بحذافيرها. وانخرط إخوة دروز في الثورة، بينما فتح الباقون بيوتهم وقراهم للهاربين من القصف، مع عبارات يا هلا، ويا حَيَّ الله. ولكن، إذا سمحتم، دعونا بحالنا... وراح السني يجمع الأدلة والقرائن والبراهين الجامعة، المانعة، التي لا تخرّ الماء، وتثبت أن النظام السوري طائفي، يحابي العلويين، ويسمح لهم أن يتطوعوا في الجيش، ويصلوا إلى أعلى الرتب، بينما يذهبُ الشبّان من أهل السنة والجماعة إلى سجن تدمر العسكري، حيث يتمنى الإنسان هناك الموت، ولا يبلغه، فإذا مات زميلٌ له تحت التعذيب، يغبطه في قرارة نفسه، ويقول: ارتاح من هذا العذاب الدائم!. لذلك، يجب أن تكون الثورة عليه سنيّة؛ وأن يكون الحاكمون الأمراء في المناطق المحررة أهلاً من السنة، ويجب أن تكون المحاكم شرعيةً سنيّة، وإذا أراد أبناءُ الطوائف الأخرى الالتحاق بالثورة، ونيل شرف الجهاد في سبيل الله، فما عليهم إلا أن يدخلوا في مذهبهم أفواجاً.
هناك طائفة لم نأت على ذكرها، هي طائفة السوريين الذين ما زالوا يطالبون بإقامة دولة مدنية، ديمقراطية، تحترم حقوق الإنسان، وترفض التمييز والتفرقة على أساس الدين، أو المذهب، أو القومية. هؤلاء يشتغلون لتحقيق شيء واحد، هو: منعُ ابن حافظ الأسد، ومَن معه، ومَن ضده، والأطراف المؤيدة، والمساعدة، من إكمال تخريب سورية بشكل نهائي.
هذه هي طائفتي الحقيقية، ولن أنشقّ عنها.