لكي تكون صدمة إسرائيل نافعة

11 أكتوبر 2023
+ الخط -

"المفاجأة والصدمة" هما الوصفان الطاغيان في الإعلام العبري تعليقاً على الحرب التي تعيشها إسرائيل منذ صباح السبت، والتي لا تشبه كل ما مرّ عليها منذ تأسيسها، لا في حروبها الثلاث ضد جيوش دول، ولا في معاركها الكثيرة ضد تنظيمات مسلحة. المفاجأة نابعة من فشل استخباري هائل في توقّع الهجوم البري والصاروخي لمسلحي "حماس"، وغياب الجيش وأجهزة الأمن في 21 مستوطنة احتلّها الفدائيون وقتلوا فيها من قتلوا واختطفوا من اختطفوا وعاد عدد كبير منهم سالمين إلى غزّة، وبعضهم الآخر ظل يخوض اشتباكات حتى مساء الأحد على الأقل، أي بعد ما يقارب 48 ساعة من بدء العملية العسكرية. بهذا المعنى، المفاجأة مفهومة جداً والوصف المستخدم دقيق عسكرياً وسياسياً ونفسياً. أما مصطلح الصدمة فغالباً ما يستخدمه المصدومون في سياقٍ يعبّر عن بلوغ إسرائيل المرحلة الفاشية التي بلغتها، ذلك أن هذا الشعور النفسي وليد حالة باتت مفردة الوقاحة قاصرة عن الإحاطة بها. وقاحة أن تثق المؤسّسة الإسرائيلية السياسية والأمنية والعسكرية بأن بإمكانها ارتكاب كل أصناف الجرائم بحقّ الفلسطينيين وأن تبقى محصّنة من ردّ دموي. عنجهية المجاهرة برفض أي حلّ سياسي أو تقديم أي "تنازلٍ" في أي من مجالات القضية الفلسطينية، وسرقة ما تبقى من أراضٍ يسكنها أصحاب الأرض وقتل من يرفض منهم العيش بشروط الاحتلال عبداً في بلده، وقضم ما تبقى من القدس والضفة الغربية، وفرض الحصار على غزّة وتعطيشها وتجويعها متى رغبت إسرائيل، والتفاخر بأن الحكومة الحالية هي حكومة المستوطنين، حكومة إنهاء كلمة فلسطين، وحكومة جعل كل فلسطين التاريخية مستوطنة كبيرة ودولة قومية لليهود، ثمّ الشعور بالصدمة حين يفجّر الضحية نفسه بالجلاد بما توفر من أدوات، وأن يطلب دعماً ولو من شياطين الأرض وتجار القضايا للدفاع عن نفسه وللانتقام من قاتله.

والحال أنّ هذه الصدمة التي تتردّد في كل خبر إسرائيلي عن الحرب الحالية تتفرّع إلى أبواب. لديك الوصف الموضوعي مثلما يفعل المراسل العسكري للقناة 13 الإسرائيلية ألون بوكير عندما يقول إن ما يحصل "عملية لم تعهدها إسرائيل منذ حرب 1948". كذلك تجد المحلل العسكري ألون بن دافيد يتجاوز التوصيف الجاف ليعبّر، ضمنياً، عن احتقار العقل الإسرائيلي المؤسّساتي قطاع غزة بوصفه المكان الأكثر ازدحاماً سكانياً في العالم، ومن بين الأفقر والأكثر بؤساً، فيلاحظ أن "أحداً لم يتوقّع في إسرائيل حرب يوم غفران ثانية، وبالذات من غزّة". أما ألون أفيتال فيقفز خطوة إلى الأمام في وضع الإصبع على الجرح، عندما يشير إلى أن "إسرائيل تصرّفت بنوع من الكبرياء". والكبرياء هنا ليس التعبير الأدقّ لما كان يمكن أن يكون مثلاً العجرفة أو الوقاحة التي توحي لصاحبها بامتلاك حصانةٍ أخلاقيةٍ وسياسيةٍ ودينيةٍ وعسكريةٍ لممارسة القتل من طرف واحد، مع الاطمئنان التام إلى أن الطرف الآخر، الفلسطيني في هذه الحالة، بات مجرّداً من إنسانيته، أي أنه فقد القدرة المعنوية والعزم على الردّ، ولو كان دموياً يسقط ضحيته مدنيون ومنهم فلسطينيون من عرب 48. أما المعنى السياسي للصدمة، فيتولى ترجمته أيديولوجيّ من صنف رئيس تحرير صحيفة جيروزاليم بوست آفي ماير، وهو المتحدّث السابق باسم الوكالة اليهودية، اللجنة الأشهر للحركة الصهيونية العالمية، فيتحسّر في افتتاحيته يوم السبت على أن "هذه هي أحداث 11 سبتمبر الإسرائيلية".

أمام ماير وبقية النخب الإسرائيلية غير المعارضة لسياسة الاحتلال والاستيطان والتهويد واضطهاد الفلسطينيين، من صحافيين ومفكرين وعلماء ومثقفين وشباب الطبقة الوسطى وسياسيين، خيارات شعورية عديدة، لكلٍّ منها طريق يوصل إلى مصير. المفاجأة ضرورية ليعترفوا بأن إسرائيل، مثلما نعرفها ويعرفونها، لن توفّر الأمان لهم مهما زاد جبروتها وتطوّرها العسكري. أما الصدمة، فلا بد من أن تفتح الأعين على ما ترتكبه دولتهم باسمهم بحقّ الفلسطينيين. حينها فقط، يمكن الكلام عن عودة معسكر سلام إسرائيلي جاد وأخلاقي يحقّ له المطالبة بمعسكر سلام فلسطيني مقابل، لا تقوده فصائل دينية متطرّفة يخبرنا زعماؤها حيناً بأن حربهم ضد إسرائيل دينية، ويقسمون أحياناً بحياة ملالي طهران.