لغة جديدة في الخليج

09 نوفمبر 2015

المواطن العربي الخليجي أمام استحقاقات ويسمع لغة جديدة (Getty)

+ الخط -
لا تزيّدَ في القول إن لغةً تستجدّ في راهن دول الخليج العربي، يُبادر إلى تعزيزها أهل الحكم وصناعة القرار، بمقادير ظاهرةٍ من الصراحة والمكاشفة، ربما غير مسبوقة، ومن المرجّح أن تنجح في ما تتوخّاه من مقاصد وأهداف، في شأنٍ بالغ الجوهرية والأهمية، وهو وجوب إحداث تغيير في النظرة العامة إلى الحال الاقتصادي العام، والتي تستسلم إلى مسلكيات وأنماط إنفاقٍ لا تكترث لمتغيراتٍ ومفاجآت. وإذ يوضح أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الأسبوع الماضي، لمواطنيه حقائق مستجدّة في المسألة الاقتصادية العامة لبلاده، فيدعو إلى "الحيطة والحذر"، بحكم الانخفاض الكبير والمستمر في أسعار الطاقة، فذلك يعني أن دولة قطر تجد نفسها مضطرّة إلى الأخذ بسياساتٍ تأخذ بالاعتبار هذا الأمر، غير الهيّن، والذي بات يفرض تخطيط استراتيجياتٍ مستقبليةٍ، لا تغفل عنه ولا عن تأثيراته وتداعياته. ولا نتذكّر أننا سمعنا، قبل الشيخ تميم أخيراً، صانع القرار الأول في دولةٍ خليجية، يؤشر إلى ظواهر سلبيةٍ عرفتها بلاده جرّاء ارتفاع أسعار النفط، إذ يتحدث، بعد أن يأتي على بديهية الفوائد الجمة التي تحقّقت من ذلك، في خطابه الذي اعتبره كثيرون، عن حق، انعطافياً، أمام مجلس الشورى، عن بعض هذه السلبيات، ومنها "النزوع إلى الهدر في الصرف، وبعض الترهل الوظيفي في المؤسسات، وعدم المحاسبة على الأخطاء في حالات كثيرة". ويطلب أن يتحوّل "ضبط الإنفاق الاضطراري في هذه المرحلة إلى فرصة لمواجهة تلك السلبيات".
جاء خطاب أمير قطر، بعد أيام من مصارحة أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الصباح، مواطنيه في خطاب أمام مجلس الأمة (البرلمان)، شدّد فيه على "ضرورة المسارعة إلى مباشرة إجراءات جادة وعاجلة لاستكمال جهود الإصلاح الاقتصادي، وإنجاز أهدافه في ترشيد وتخفيض الإنفاق العام، والتصدّي، على نحو فعال، لمظاهر الفساد وأسبابه ومعالجة الاختلالات التي تشوب اقتصادنا الوطني". وقد تحدث الشيخ صباح عن "أزمةٍ"، وطلب من حكومته والبرلمان "اتخاذ تدابير وإجراءات إصلاحية عاجلة"، ودعا كل مواطن إلى "إدراك أهمية وجدوى تلك الإصلاحات وتبعاته، والتعامل المسؤول مع متطلباته". وإذا كان أمير قطر قد حرص على التمييز بين الحيطة والحذر من ناحية والخوف من ناحية أخرى، فذلك تأكيداً على دفع القلق، وعلى أن الأولوية هي العمل بمنهجية جديدة، لعل من عناوينها الأبرز السعي إلى "التنويع الاقتصادي وتقليل الاعتماد على النفط والغاز"، كما أوضح الشيخ تميم نفسه.
الخطابان الأميريان في دولتين خليجيتين مؤشران كاشفان، والرؤيتان فيهما تأخذان الحقائق الجديدة بكل مسؤولية، وتتوجهان، بواقعيةٍ وصراحة، إلى أهل الخليج، بما ينبغي أن يعرفوه ويسلكوه. وها هم خبراء ومختصون يُخبرونا، في ندوةٍ نظمها في الدوحة، أخيراً، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، إن إمكانات دول الخليج في المناورة لمواجهة تبعات تراجع أسعار النفط ليست كثيرة، وإن أهم ما يمكن أن تقوم به الدول العربية المصدّرة للنفط المضي الفعلي نحو تنويعٍ حقيقي لاقتصادياتها، والتحرّر من الارتباط الحصري بإيرادات النفط، وإن على الحكومات الخليجية تقليص الإنفاق الرأسمالي، ووقف الهدر في الإنفاق الجاري، ومراجعة سياسات الدعم. وللحق، فإن خسارة منتجي النفط في العالم 338 مليار دولار في العام 2014، وتراجع إيرادات دولة الكويت 60% بسبب النفط، وأن يتجاوز العجز في موازنة المملكة العربية السعودية مائة مليار دولار العام الجاري، فذلك كله وغيره يعني أن الدنيا لن تكون الدنيا التي نعرف، في دول الخليج العربية خصوصاً، ولا سيما وأن حدوث تحسن في أسعار النفط في العام المقبل مستبعد.
لن تتعطل عجلة التنمية والبناء وإنجاز المشروعات العمرانية في قطر، كما يؤكد الأمير الشيخ تميم، ولن تتأثّر في الكويت التزامات الدولة تجاه مواطنيها، ولن تعرف أيٌّ من دول الخليج تراجعاً عن الأساسي من الخدمات في التعليم والصحة والإسكان وغيرها، غير أن إيقاعاً عاماً في الإنفاق والصرف، وعلى كل المستويات سيستجد، وإن ببطءٍ غير ملحوظ في البداية.

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.