07 نوفمبر 2024
لعبة "نوبل" اليابانية
اختار صديقنا الراحل قبل شهور، طلعت الشايب، رواية الياباني البريطاني، كازو إيشيغورو، "بقايا اليوم"، لترجمتها إلى العربية (المركز القومي للترجمة في القاهرة، 2009) إعجابا بها، وربما أيضا إعجابا بالفيلم المستوحى منها (1993)، من بطولة أنتوني هوبكنز، وقد شارك الكاتب في إنجاز السيناريو، وربما أيضا وأيضا لأن الرواية نالت جائزة مان بوكر البريطانية في 1989. والمتوقّع أن تعرف هذه الرواية، مترجمةً بلغة طلعت الشايب، مقروئية عالية، بعد أن أشارت إليها الأكاديمية الملكية السويدية، أمس، في إعلان منح كاتبها جائزة نوبل للآداب للعام 2017. وقد بدا في هذا الأمر أن "لعبة" ناس هذه الأكاديمية صارت مكشوفةً ربما، وموجزها أنه ما دامت ترشيحات هذه الصحيفة وتلك تذهب إلى هذا الياباني وذاك الكيني، إلى الفرنسي فلان والأميركي علان، وإلى أدونيس من العرب، وطالما أن رهاناتٍ وبورصاتٍ "تنجّم" بين أسماء منثورة، فإن الأكاديمية الملكية السويدية تُؤثر أن تأخذ الجائزة إلى أيّ أحد، إلا أن يكون من هؤلاء، ولو إلى مغنٍّ أميركي، كما فعلت العام الماضي، ثم لم يكترث المغني بوب ديلان بهذه المباغتة، ولم يجد وقتا للسفر إلى استوكهولم لاستلام الجائزة. وأيضا، كما فعلت الأكاديمية في العام السابق على مزحة بوب ديلان، فأقطعت الجائزة إلى كاتبة تحقيقات صحافية جيدة.
كانت "اللعبة" أمس أقل تصنعا (؟)، وإن انطوت على شيءٍ من المكايدة، فإذا كنتم قد استنزفتم وقتا وفيرا، بل وزائدا، في أن الياباني الذي يحوز مقروئية مهولة في العالم، هوراكي موروكامي، هو المرشح المرجّح، فإن الأكاديمية آثرت، في طوطميتها العتيدة، مفاجأتكم بياباني آخر. أما إذا اعتقدت صحيفة لوموند الفرنسية أنها حبكتها هذه المرة، إذ تكتب قبل أيام، أن أدونيس هو الأكثر حظا بالفوز، فلها أن تسلّي نفسها بأمرٍ كهذا في العام المقبل أيضا إن أرادت. وإذا كانت "الغارديان" البريطانية أكثر حذاقةً من زميلتها الفرنسية، فأذاعت خمسة أسماء، وبدت ميالةً إلى توقعٍ أقوى لنيل الكيني نغوغي واثيونغو الجائزة، فإن شيئا من الهزء بهذه الشطارة أشهرته أمس عضو الأكاديمية الملكية السويدية، سارة دانيوس، وهي تقرأ من بيان مكتوب أن "عاطفية هائلة نجح فيها كازو إيشيغورو لتفسير الأشياء الغامضة في علاقتنا مع العالم."
بشأننا، نحن العرب، كان لافتا أن كتابا وصحافيين ومثقفين منا غير قليلين آثروا المزاح، فانشغلوا بصعوبة اسم الكاتب الذي ذكروا أنها المرة الأولى التي يسمعون فيها عنه، فيما أربع روايات له نقلت إلى العربية. وكم كان موسم نوبل هذا العام سيصير مكلمةً عربية بامتياز، لو أن أعضاء الأكاديمية السويدية فعلوها، وخلعوا عن أكتافهم بعض كهنوتيتهم، واختاروا من المرشحين الذين تداولت البورصات أسماءهم الإسرائيلي عاموس عوز. ساعتها كنا لن نكتفي باستعادة المعلوم والمكرور عن المركزية الأوروبية لجائزة نوبل، ونزعتها إلى تناسي آدابٍ عريضة في العالم، في أفريقيا وآسيا مثلا، وذهبنا هذه المرة إلى إيثار هذه الجائزة كاتبا أقلّ قامة من عرب عديدين على كتاب عربٍ عديدين. كنا سنقول هذا عن حق، وبشيء من الحنق، ونعيد ونزيد، في الأثناء، في أسطوانة أدونيس المملة.
ليس كازو إيشيغورو (63 عاما) يابانيا تماما، وإن دلت سحنته على أرومته اليابانية. يكتب بالإنكليزية، ويعيش في بريطانيا منذ كان في الخامسة من عمره. ولا تغيب اليابان عن مخيلته، هو المولود في ناغازاكي التي يقترن اسمها بواقعة ضربها بالقنبلة النووية، والتي حضرت في إحدى رواياته، مستدعاة لتبقى ذكرياتُ كاتبها اليابانية حيةً في باله، على ما قال. ربما في الوسع أن يقال إن العضو الجديد في نادي نوبل للآداب وديعةٌ من اليابان في ثقافة الغرب، وإنْ لا تؤشر المطالعات الشحيحة بالعربية عن أدبه إلى اليابان هاجسا كبيرا لديه، وإنما هي ماثلةٌ في خيالاتٍ واستذكاراتٍ، وإنما من دون افتعال انقطاع أو قطيعة عن أمته وشعبه وبلده.. الأصلي، وقد توطّن الرجل في بريطانيا منذ عقود. .. يتساءل كبير الخدم، بطل رواية "بقايا اليوم": "ألم يكن من الأفضل لو أن الله خلقنا كلنا على هيئة نبات، نباتات مغروسة في التربة، ما كان شيء من ذلك العفن عن الحروب والحدود قد حدث..". يسأل ياباني بريطاني هذا، ماذا يبقى لنا نحن العرب أن نسأل؟
كانت "اللعبة" أمس أقل تصنعا (؟)، وإن انطوت على شيءٍ من المكايدة، فإذا كنتم قد استنزفتم وقتا وفيرا، بل وزائدا، في أن الياباني الذي يحوز مقروئية مهولة في العالم، هوراكي موروكامي، هو المرشح المرجّح، فإن الأكاديمية آثرت، في طوطميتها العتيدة، مفاجأتكم بياباني آخر. أما إذا اعتقدت صحيفة لوموند الفرنسية أنها حبكتها هذه المرة، إذ تكتب قبل أيام، أن أدونيس هو الأكثر حظا بالفوز، فلها أن تسلّي نفسها بأمرٍ كهذا في العام المقبل أيضا إن أرادت. وإذا كانت "الغارديان" البريطانية أكثر حذاقةً من زميلتها الفرنسية، فأذاعت خمسة أسماء، وبدت ميالةً إلى توقعٍ أقوى لنيل الكيني نغوغي واثيونغو الجائزة، فإن شيئا من الهزء بهذه الشطارة أشهرته أمس عضو الأكاديمية الملكية السويدية، سارة دانيوس، وهي تقرأ من بيان مكتوب أن "عاطفية هائلة نجح فيها كازو إيشيغورو لتفسير الأشياء الغامضة في علاقتنا مع العالم."
بشأننا، نحن العرب، كان لافتا أن كتابا وصحافيين ومثقفين منا غير قليلين آثروا المزاح، فانشغلوا بصعوبة اسم الكاتب الذي ذكروا أنها المرة الأولى التي يسمعون فيها عنه، فيما أربع روايات له نقلت إلى العربية. وكم كان موسم نوبل هذا العام سيصير مكلمةً عربية بامتياز، لو أن أعضاء الأكاديمية السويدية فعلوها، وخلعوا عن أكتافهم بعض كهنوتيتهم، واختاروا من المرشحين الذين تداولت البورصات أسماءهم الإسرائيلي عاموس عوز. ساعتها كنا لن نكتفي باستعادة المعلوم والمكرور عن المركزية الأوروبية لجائزة نوبل، ونزعتها إلى تناسي آدابٍ عريضة في العالم، في أفريقيا وآسيا مثلا، وذهبنا هذه المرة إلى إيثار هذه الجائزة كاتبا أقلّ قامة من عرب عديدين على كتاب عربٍ عديدين. كنا سنقول هذا عن حق، وبشيء من الحنق، ونعيد ونزيد، في الأثناء، في أسطوانة أدونيس المملة.
ليس كازو إيشيغورو (63 عاما) يابانيا تماما، وإن دلت سحنته على أرومته اليابانية. يكتب بالإنكليزية، ويعيش في بريطانيا منذ كان في الخامسة من عمره. ولا تغيب اليابان عن مخيلته، هو المولود في ناغازاكي التي يقترن اسمها بواقعة ضربها بالقنبلة النووية، والتي حضرت في إحدى رواياته، مستدعاة لتبقى ذكرياتُ كاتبها اليابانية حيةً في باله، على ما قال. ربما في الوسع أن يقال إن العضو الجديد في نادي نوبل للآداب وديعةٌ من اليابان في ثقافة الغرب، وإنْ لا تؤشر المطالعات الشحيحة بالعربية عن أدبه إلى اليابان هاجسا كبيرا لديه، وإنما هي ماثلةٌ في خيالاتٍ واستذكاراتٍ، وإنما من دون افتعال انقطاع أو قطيعة عن أمته وشعبه وبلده.. الأصلي، وقد توطّن الرجل في بريطانيا منذ عقود. .. يتساءل كبير الخدم، بطل رواية "بقايا اليوم": "ألم يكن من الأفضل لو أن الله خلقنا كلنا على هيئة نبات، نباتات مغروسة في التربة، ما كان شيء من ذلك العفن عن الحروب والحدود قد حدث..". يسأل ياباني بريطاني هذا، ماذا يبقى لنا نحن العرب أن نسأل؟