لترشيد التوقّعات عن خسائر الاحتلال
يثور جدل كبير بشأن خسائر جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ بدء عدوانه الهمجي على قطاع غزّة، خصوصا البشرية التي يتكبدها في هجومه البرّي. الكثير من التقديرات التي تنشر في مواقع التواصل الاجتماعي، وحتى من متابعين وصحافيين، تبالغ بشدة في الأرقام، مع الإقرار بوجود احتمال كبير يشير إلى تكتّم إسرائيل كذلك على خسائرها. لكن الطريقة التي اتّبعها بعضهم لتقدير الخسائر البشرية عند الاحتلال، لا توفر معطياتٍ منطقية كذلك.
يعود سبب هذه المبالغات إلى اعتماد بعضهم على أرقام الآليات الإسرائيلية التي تعلن المقاومة عن استهدافها وتدميرها، ثم يفترضون عددا معينا من الجنود الذين يتصوّرون أنهم كانوا داخل هذه الآليات، ويعتبرونهم جميعا قتلى، ومن ثم يقومون بحساب ضرب عدد الآليات في أعداد الجنود، ويعلنون النتيجة باعتبارها حقيقة دامغة!. ... ولكن هذه الطريقة تغفل جوانب مهمة.
أولا: ذكرت بيانات المقاومة نفسها أن الآليات التي استهدفتها دمرت "كليا أو جزئيا"، وبالتالي من غير المنطقي اعتبار هذه الاستهدافات ناجحة بنسبة مئة بالمائة، وهو تقديرٌ عقلاني من المقاومة، ويفتقده للأسف محلّلون يظهرون على الفضائيات.
ثانيا: رغم أن الفيديوهات التي تنشرها المقاومة تظهر أن الآليات الإسرائيلية انفجرت، إلا أن من الصعب تقدير حجم الانفجار والضرر الذي تسبّب به، سواء للآلية أو لمن هم في داخلها. فقد تنفجر القذيفة وتتسبب في ضرر خارجي للآلية فقط، بينما يظلّ من في الداخل آمنون، أو يتعرّضون لإصابات بسيطة.
ثالثا: حتى لو قتل بعض الجنود داخل الآليات، فهذا لا يعني أن الجميع بالضرورة كذلك، لأن نسبة الجرحى دائما تكون أعلى بكثير من القتلى في جميع الصراعات، أو حتى الكوارث الطبيعية.
من الضروري الترشيد في الأرقام والتقديرات الخاصة بالخسائر الإسرائيلية، لأنها لا تحتاج إلى تضخيمها، فهي خسائر جسيمة بالفعل
رابعا: عندما تعلن المقاومة عن تدمير "آليات" إسرائيلية، فإنها تقصد جميع أنواع المركبات، من دبّابات وناقلات جند وجرّافات. وبالتالي، لا يكون داخل الجرّافات على سبيل المثال إلا السائق فقط، ويصبح من الخطأ احتسابها تضم عدة جنود، وإتمام عمليات حسابية على هذا الأساس.
خامسا: رغم وجود شهادات إسرائيلية وفيديوهات من مراسلين عسكريين غربيين تتحدّث عن خسائر كبيرة في الجنود، إلا أنها ليست مؤكدة، فقد يسقط جندي أمام المراسل فيعتبره ميتا، لكنه ينقل إلى المستشفى ويظل على قيد الحياة، ويُحسب ضمن الجرحى لا القتلى.
سادسا: لن تستطيع إسرائيل في كل الأحوال إخفاء أعداد خسائرها إلى الأبد. وإذا كانت هناك أعداد أكبر من القتلى ستظهر في نهاية المطاف.
لهذه العوامل، يمكن اعتبار إعلان جيش الاحتلال عن إصابة ألف جندي، من بينهم 220 في حالة خطرة، قبل أيام، الأقرب إلى الواقع. مع التأكيد على أن إصابة الآليات بأضرار، حتى لو كانت جزئية، يظل مهمّا، لأنه يحيدها عن المعركة ويخرجها من الميدان، كما أن إصابة جنود الاحتلال تخضع للمعادلة نفسها، ولا ننسى أن نسبةً لا يُستهان بها من هؤلاء الجرحى تعرّضوا لإصابات لن يستطيعوا بموجبها العودة إلى ساحة القتال، مثل بتر طرف من أطرافهم أو إصابتهم بعاهةٍ مستديمة، وهو ما يؤدّي إلى النتيجة المرجوّة نفسها من قتله.
وقد اعترف رئيس جمعية المعاقين في جيش الاحتلال الإسرائيلي عيدان كيلمان، في تصريح لإذاعة الجيش قبل أيام، بأن 1600 جندي أصيبوا بإعاقات منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول، فضلا عن "آلاف آخرين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة"، ومن المرجّح كذلك أن هؤلاء لن يعودوا إلى القتال في زمن قريب، ولذلك تعتبر هذه الأرقام التي استطاعت المقاومة تحييدها عن ساحة المعركة كبيرة جدا مقارنة مع جولات التصعيد السابقة مع الاحتلال، وهذا إنجاز كبير يُحسب للمقاومة ويكشف عن تطوّر مدهش في قدراتها القتالية. أما من يقتصر حسابهم للإنجازات على المبالغات والتخمينات والعمليات الحسابية التي لا تستند إلى منطق، فهم عادة يكونون أول من يصابون بالإحباط ويصيبون به غيرهم، بعد أن يتضح أن الأرقام التي كانوا ينشرونها في كل مكان لم تكن دقيقة. ولذلك من الضروري الترشيد في الأرقام والتقديرات الخاصة بالخسائر الإسرائيلية، لأنها لا تحتاج إلى تضخيمها، فهي خسائر جسيمة بالفعل.